على الرغم من الأجواء الإيجابية التي تسود هذه الأيام نتيجة المبادرة التي قدمها إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لرئيس السلطة محمود عباس والمتعلقة بالموافقة على إجراء الانتخابات بالتوالي والترابط، فإن الوضع لا يزال يراوح مكانه في ظل الحديث فقط عن مشاورات الرئاسة لإصدار المرسوم في الأيام القادمة.
فالقطاع يمر بأزمات إنسانية قاسية ومتدهورة نتيجة العقوبات التي فرضها رئيس السلطة في وقت سابق، إذ لم يتخذ أي قرار برفعها أو تخفيفها عن أهلنا في غزة في ظل وجود أكثر من جولة حوار، ولم يبادر للتراجع عنها في أي فترة طوال هذه المحطات، ويبدو أنه معني بإبقائها لإضعاف خصومه السياسيين لأن الغرض منها جاء بالأساس لتركيع حركة حماس.
لكن أثرها كان مباشرًا على حياة الناس والجميع تضرر من هذه الإجراءات الانتقامية حتى الموالون وأنصار حركة فتح لم يكونوا بعيدين عن هذه المعاناة، فالإجراء تسبب في انهيار الكثير من المرافق، ورفع حجم المعاناة وجعل واقع وظروف غزة كارثية، وعلى الرغم من عشرات المطالبات والمناشدات الوطنية والشعبية المطالبة برفع العقوبات فإن عباس لم يعطِ ذلك أي اهتمام.
وكأن عباس يريد من غزة أن تذهب للانتخابات والمصالحة منكسرة ومقيدة دون أن يبادر بخطوات عملية تثبت حسن نيته وحرصه على رأب الصدع ومعالجة آثار الانقسام، وهذا ما يجعل كثيرين يشككون في مواقفه الأخيرة ولا يتأملون الكثير من وراء مشاوراته قبل إصدار المرسوم المرتقب.
فالمراقب للموقف يستغرب من تصرفات عباس تجاه شعبه وكأنه يتعامل مع منطقة معادية وليست قطعة أصيلة من هذا الوطن، وقد تركها ترزح تحت ظلم الحصار وأطبق عليها بحزمة عقوبات للإجهاز عليها، على الرغم من أن غزة كانت ولا تزال الزخم الحقيقي للقضية الوطنية، وخزان الثورة الذي لا ينتهي مداده.
فإلى متى تعامل غزة بهذه الطريقة الانتقائية الانتقامية وهي لم تجرم ولم تتخاذل عن نصرة القضية؟ غير أن حظها العاثر جعل مصيرها ومستقبلها رهينة بيد رئيس السلطة الذي لا يرقب فيها أي رحمة أو مسؤولية، ولا يرغب في رؤيتها أو زيارتها على الرغم من زيارته لمعظم بلدان ومدن العالم في مناسبات مختلفة.
كان من الواجب أن يبادر فورًا لرفع العقوبات عن غزة لأن ذلك عمل وطني تفرضه عليه المناخات الوطنية الإيجابية الحالية، لكنه يريد وبكل أسف أن ينتزع المواقف دون أن يقدم شيئًا لشعبه ولأهله في غزة، فالعودة عن قرارته الظالمة التي اتخذت ضد غزة سيعود بالنفع عليه أولًا قبل غيره في ظل انخفاض شعبيته وازدياد حالة السخط العام ضده.
لكن لا يخفى على أحد أن هذه العقوبات جاءت بناء على رغبة سياسية إسرائيلية وأمريكية بغرض تقويض حالة الصمود في غزة ودفع المقاومة للتنازل والتراجع عن مواقفها وفي مقدمتها حركة حماس، وتحقيق نصر سياسي لأبو مازن تجاه خصومه، بخلاف ما روجه أن هذه الإجراءات ضرورية لوحدة الوطن وإنهاء الانقسام.
وتبقى مسألة رفع العقوبات من أهم المطالب الوطنية التي يتفق عليها أهلنا في غزة لقناعتهم أنها إجراءات انتقامية تعقد الوضع السياسي وتضع العراقيل أمام أي حراك وطني وتؤزم الوضع الإنساني الذي يمر به القطاع في ظل الظروف الراهنة.
لذلك فلا مبرر للانتظار أكثر من ذلك على هذه العقوبات، وبات من الضروري إصدار قرار بإنهائها بل وتعويض الناس عن الضرر الذي لحق بهم من جراء هذه الإجراءات غير الأخلاقية، والتي تركت آثارًا سلبية عميقة في نفس كل فلسطيني في غزة تجاه رئيس السلطة.