قائمة الموقع

في الدقيقة الـتسعين.. أنّات "حبيبة" تطرق معبر رفح فيجيبها بالرفض

2017-05-11T07:56:40+03:00
الزميلة رنا الشرافي أثناء محاورتها العالقين على معبر رفح - تصوير / ياسر فتحي

جلست إلى الأرض تنتظر ساعة الفرج، ساعة أن ينادي المنادي باسم ابنتها "حبيبة"، أن أذن لها حارس البوابة بالمرور إلى نافذة الحياة، تلك "الحبيبة" التي حرمتها الإصابة من أن ترى الشمس والهواء، وأن تركض فاتحة ذراعيها للدنيا، هي طفلة في الثامنة من العمر تقف برجاء على عتبة معبر رفح..

والدتها أم حبيبة التعبان 48 عاماً، افترشت أرض الصالة الخارجية لمعبر رفح الذي يعتبر المنفذ الوحيد لسكان قطاع غزة ومعبر التواصل مع العالم، وفي حضنها جلست حبيبة ذات الثماني سنوات، والتي حملت بها والدتها بعد انتظار دام 23 عاما، لتطل بعده على هذا العالم تلك الحبيبة الصغيرة ، والتي كانت بين برهة وأخرى تنظر إلى الخلف.

"طلبك مرفوض"

نظراتها كانت بخبرنا أنها تنتظر خبر ما، وأنها أيضا غير متفائلة بذلك الخبر أو لعله الخوف من المصير المجهول، نادى المنادي اسمها فهرعت إليه، دقيقة واثنتين ثم خمس دقائق من الجدال ومن ثم عادت إلينا وبيدها ورقة التقرير الطبية التي تقول:" إن الطفلة حبيبة تعاني من وجود ستة شظايا في جسدها الصغيرة وأن التماسها للسفر بسبب العلاج لا يزال مرفوض".

عن حال "حبيبة" وسبب تواجدها في ساحات الانتظار على بوابة المعبر، تقول والدتها:" لقد استقرت في جسد حبيبة العديد من الشظايا ، ففي الكلية اليمنى يوجد شظيتين ، وواحدة في الكبد، وفي ساقها اليمنى توجد شظيتان، وفي الجانب الأيسر شظية سطحية".

هذه الشظايا انهكت جسد "الحبيبة" الصغيرة وأجبروها على شرب 3 ليترات من الماء يومياً عدا عن حالتها النفسية السيئة ، والهلع الذي يصيبها من الأصوات المرتفعة وخاصة الرعد والذي تحسبه صوت قصف الإسرائيلي، كما يُخيل لحبيبة.

عن مشوار علاجها تقول أم حبيبة:" حصلت حبيبة على رحلة للعلاج في ألمانيا وفرنسا ولكن بدون مرافق وهو ما رفضته أنا وكذلك هي رفضت السفر من دوني، وحصلت على منحة علاج في تركيا بمرافق ولكننا علمنا أن حالة الكلى لديها تحتاج إلى جراحين كلى ومسالك بولية من نوع خاص".

عام مضى على عودة حبيبة من رحلة العلاج الأولى لها في مصر ، ولا تزال منذ ذلك الوقت وهي تحاول السفر، وفي كل مرة يتم فيها الإعلان عن فتح معبر رفح تصطحب "أم حبيبة" ابنتها ويرافقهم والد حبيبة، لعلهم يتمكنون من السفر هذه المرة، ولعل أحد من المسؤولين عن السفر يعطف على هذه الطفلة المصابة.

حبيبة هي إحدى ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، حيث أصيبت بتاريخ 21-7- 2014، عندما حملتها والدتها واتجهت بها إلى بيت جدها لأبيها تطلب الملاذ الآمن ، ولكن القصف الإسرائيلي لم يرحم حبيبة التي رزقت بها والدتها بعد انتظار دام 23 عاما ومحاولات خمس لزراعة أطفال الأنابيب.

يلاحقها الموت

قصف الاحتلال بيت العائلة أثناء خروج حبيبة ووالدتها منه، لتسقط كلتاهما إلى الأرض دون أن تدرك أي منهما أن حبيبة مصابة، لتعود بعدها أم حبيبة وابنتها إلى منزلهما وهناك تكتشف أن الطفلة التي انتظرتها لسنوات طوال تقطر دماً، ولا تعرف مصدره في أي جزء من جسد الطفلة .

"حبيبة" .. هذه الطفلة ذات الثماني سنوات وتحمله تلك الشظايا اللعينة في جسدها الصغير المضرج بالدم، حملتها سيارة الاسعاف متجه بها إلى مستشفى شهداء الأقصى، وفي الطريق تعرضت سيارة الإسعاف إلى قصف جوي إسرائيلي جديد، لتنجو بأعجوبة وتصل بحبية إلى المستشفى والذي نال بدوره نصيبه من القصف الجوي الإسرائيلي، وكأن صوت الموت يلاحق حبيبة أينما ذهبت لكن رجاء والديها ودعواتهما كانا يحفظانها.

فترة طويلة من الزمن أمضتها "حبيبة" في داخل المستشفيات الفلسطينية قبل أن تقرر السفر إلى المستشفى الفاطمي في مصر، بعد أن علمت بوجود مختص جراحة كلى ومسالك بولية ماهر، عله يكون السبب في شفاء "الحبيبية" .

توجهت "حبيبة" ووالدتها إلى معبر رفح وبعد معاناة استمرت يومين متتالين أنهكا جسدها المضرج بالألم، تمكنت "حبيبة" ووالدتها من السفر في اليوم الثالث، وبعد رحلة علاج قصيرة عادت "حبيبة" ووالدتها إلى منزلهما في منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة، ومنذ ذلك الحين أي قبل نحو عام من الآن و"حبيبة" تستجدي بوابة معبر رفح المغلقة في وجهها، لعلها تجد من يستمع إلى أنّاتها ويعطف على طفلة بعمر الورد لم ترى من الحياة سوى تضرعات والديها لها بالشفاء .

حياة كالحياة..

والدتها المكلومة، تمنت على العالم أن ينظر إلى حبيبة وجميع أطفال فلسطين بعين الرأفة والرحمة وأن يساعدوهم على الحياة كأي طفل في هذا العالم، دون خوف أو فزع أو تهديد مستمر للحياة من قبل الاحتلال.

وطالبت العالم الحر، وجمهورية مصر العربية، صاحبة السيادة على معبر رفح المنفذ الوحيد لسكان قطاع غزة المحاصر للتواصل مع العالم الخارجي، بفتح معبر رفح البري بشكل دايم، وأن يكون السفر أولوية للمرضى الذين يعانون الآلام الشاقة ويكابدون اجراءات السفر المتعسرة وينتظرون على بوابة المعبر لأيام طوال ومن ثم يعودون من حيث أتو، وختمت بقولها:" أريد الشفاء لأبنتي ولجميع المرضى.. أنقذوا طفلة (العطش) حبيبة".

اخبار ذات صلة