قائمة الموقع

​أوجعت قلوبنا يا فاطمة!

2017-05-11T06:04:34+03:00
الشهيدة فاطمة حجيجي (أرشيف)

والله، لقد أوجعت قلوبنا يا فاطمة حجيجي ونحن نراك ممددة بالقرب من درجات باب العمود على تراب حبيبة قلبك التي رويتيها بدمائك.. شعرنا بالتقصير يطبق قبضته على أنفاسنا، ويكاد يقتلنا، أنت لست الأولى التي نراها في هذا المنظر، فكثيرات قبلك، لا تزال ذكراهن توجع قلوبنا وتمزقها.. دانيا ارشيد، بيان العسيلي، رشا عويصي، مرام حسونة، سماح عبد المؤمن، مهدية حماد، هديل الهشلمون، أشرقت قطناني... والقائمة تطول، وهم فتيات صغيرات، في مثل عمر الزهور، في ميزاننا البشري، لا زال المستقبل أمامهن، ينظر إليهم واعداً بالأمل والإشراق.. ولكن في ميزان الله وميزان حب الوطن والوفاء لقضاياه، هن الشهيدات الماجدات اللواتي لن تنساهن ذاكرة تاريخ بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

والله إن درجات باب العمود ستبقى شاهدة على دمائك البريئة الطاهرة يا فاطمة، وستشهد عليها أمام الله. وسنبقى نطأطئ رؤوسنا خجلاً أمام شجاعتك وتضحيتك يا فاطمة.. اعذرينا يا فاطمة أننا وقفنا متفرجين أمام الشاشات، نشاهد كيف كنت ممددة أرضاً، وكيف كانوا يحيطون بك كحلقة، ثم كيف نقلوك في سيارة إسعاف لهم بعد أن حملتك أيديهم الدنسة إلى مكان غير معلوم.. وحجتهم كما هي في كل مرة: محاولة الطعن.

الغريب في الأمر يا فاطمة أن الجهات الرسمية المسؤولة في بلادنا قد صمتت صمت القبور، ويبدو أن الخرس قد أصاب لسانها فأسكتها عن الحديث في حضرة دمائك. لأنك يا فاطمة فلسطينية خرسوا لاستشهادك، وتصوري يا فاطمة لو كنت صهيونية أو أمريكية أو فرنسية أو روسية مثلاً... ماذا كان سيحدث يا تُرى؟ إن الدنيا ستقوم حينها ولن تقعد.. وأول من سيهب للدفاع عن حقك في الحياة هم قادة العرب وحكامهم.. سيشجبون، ويستنكرون، ويصرخون بملء حناجرهم بأن من فعل ذلك بك هو إرهابي يستحق الإعدام.. ولن يكون غريباً لو جيّشوا الجيوش لأجلك!، وسيهب الجميع، من جمعيات حقوقية وكل من له صلة بهذا المجال، وحتى كل من لا صلة له بالدفاع عنك والمطالبة بحقك.. وستنظم البكائيات عليك، وستصبحين منارة للمظلومين المضطهدين، لأنك قُتلت ظلماً.

ولكن يا فاطمة.. أنت من بلاد لا يُحسن أهلها استغلال الأحداث الجارية وإظهارها بصورة تخدم مصلحتهم، وتُظهر الظلم الذي يتعرضون له ليكسبوا بذلك تعاطف العالم معهم ومع قضيتهم.. وأنت يا فاطمة لست أول المظلومين الذين لم يأبه لحالهم أحد... فغزة يا فاطمة كانت ضحية حروب ظالمة ثلاث.. وهي أعلى بقعة في العالم في الكثافة السكانية (كما يعلم الجميع)، عوقبت غزة على جريمة لم ترتكبها.. وكانت هناك أدلة تثبت جريمة المحتل في فتكه بغزة.. وخرج القاضي جولدستون على الملأ يتلو نتائج تقريره الذي يدين الاحتلال في حربه تلك... وأحمد الله أن غولدستون لم يكن عربياً ولا مسلماً وإلا لاتهم بأنه يحابي جهة على أخرى... وأن نتائجه تلك التي تثبت جريمة الاحتلال كانت بسبب عروبته أو إسلامه..

ولكن خرج من يدَّعي أنه قائد البلاد ورئيسها وتنازل عن حقوق غزة وشهدائها وجرحاها وبيوتها المهدمة وأطفالها المصابين بالصدمات النفسية وشبابها المحبطين.. تنازل عن جميع هؤلاء بالكامل، ورفض أن يستثمر التقرير لصالحنا ويظهر الجور الذي نتعرض له يومياً.. وكان متسامحاً مع الاحتلال، غافراً جرائمهم.. وكأنه هو من يمتلك حق المظلومين في التسامح أو في الاقتصاص من المجرم.

اعذرينا يا فاطمة، ولا تتأملي منا الكثير، فنحن اكتفينا بالحزن عليك، وكفرنا عن ذنوبنا ببضع دمعات ذرفناها على الوجنات، وصرخنا في تغريدات حارة على التويتر أو في بوستات على الفيس بوك وأقنعنا أنفسنا أننا فعلنا الكثير.. ألسنا في الألفية الثالثة في العالم الذكي؟.. فلماذا لا يكون دفاعنا عن دمائك ذكياً أيضاً يا فاطمة؟؟

اخبار ذات صلة