باتت ترجمة إعلام الاحتلال ضرورة ملحة، وحاجة أصيلة، وركنًا أساسيًا؛ لفهم وقراءة الأحداث السياسية، وتحليل مدى انعكاسها على الواقع الفلسطيني والعربي ككل، وتفنيد أخباره وتقاريره إما إلى تحذيرات من خطط صهيونية مقبلة، ومحاولة وضع التوقعات والتنبؤ بالأحداث المستقبلية ، أو لدرء حرب نفسية مرادة، وكشف الستار عن مسرحيات يسربها العدو، يريد بها عبثًا بالوعي الجمعي للمجتمع الفلسطيني.
من هذا المنطلق أصدر مركز حضارات للدراسات السياسية والاستراتيجية اليوم الأحد كتاب "وفق المصادر" من إعداد الخبير في الشأن الإسرائيلي أ. ناصر ناصر.
ورغم الصعوبات والمعيقات، شقت "وفق المصادر" طريق الظلمة، و كسرت القضبان، وقهرت كل قيود العدو؛ لتخرج للنور، وتسجل ترجمة يومية انتقائية لأهم الأخبار في الإعلام العبري، وقد انطلقت منذ أوائل عام 2018م وحتى اليوم.
وقد كشف المختص في الشأن "الصهيوني" ناصر ناصر عن فكرة كتابه فقال: "وفق المصادر هي سلسلة من النشرات اليومية التي قمت بترجمتها، منذ انطلاقة الفكرة في مارس 2018 وحتى نهاية ديسمبر 2020، وهي تتضمن ما اعتقدت أنه أهم ما تناقلته وسائل الإعلام العبرية من أخبار وتحليلات ومواقف في مختلف القضايا المحلية والإقليمية والدولية، وتحديدًا القضية الفلسطينية والشأن الاسرائيلي الداخلي."
وفي الحديث عن طبيعة محتوى نشراته قال ناصر: "أبرزت أحيانا ما سعت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى تهميشه، وهمّشت أحياناً ما سعت هذه المصادر إلى إبرازه بناءً على فهم عميق، وإدراك دقيق للدور الذي تقوم به وسائل الإعلام الإسرائيلية في خدمة أهداف الاحتلال."
ولم تكن وفق المصادر تتوقف على ترجمة الأخبار فقط، فقد قال ناصر موضحًا: "اشتملت النشرة في كثير من الأحيان على بعض تعليقات وملاحظات وتحليلات الكاتب دون أن يختلط الأمر بالنصوص شبه الحرفية للترجمة."
ويعتبر ترجمة إعلام الاحتلال مهمًا في قراءة المجريات والأحداث على الأرض، وفي خدمة البحث الموضوعي، وإثراء المكتبات الفلسطينية بكتاب شامل لأهم ما يتناقله الإعلام العبري، بشكل يومي، وفي هذا الشأن قال المحلل والخبير في الشأن الصهيوني د. عدنان أبو عامر لحضارات: "تشكل وفق المصادر في مجموعها، رصداً مهماً لأهم التطورات الإسرائيلية الداخلية، مما يعطي القارئ الفلسطيني والعربي فرصة لتقديم إطلالة وافية على المشهد الإسرائيلي.
وأكد أبو عامر أهمية الكتاب قائلًا: إن حركة الترجمة من العبرية إلى العربية ضعيفة نسبياً، إذا قارناها بالنسبة لما يحصل في إسرائيل، ومن هنا تنبيع قيمة هذا الإصدار.
وأثنى الدكتور والمحلل السياسي صالح النعامي على فكرة إصدار "وفق المصادر" قائلًا: وفق المصادر تمثل جهدًا كبيرًا ومقدرًا يسهم في وضع المتلقي الفلسطيني والعربي، سواء على مستوى صناع القرار أو النخب والجمهور في صورة ما يعكف عليه الصهاينة من سياسات على كل الصعد عبر المعلومة الموثقة الوافية والمحيطة والمتشعبة.
وأشار النعامي إلى قيمة الإصدار علميًا فقال: وفق المصادر ستمثل مصدرا ومعينا يستند إليه الباحثون والصحافيون وصناع القرار، إلى جانب كل من هو معني بقراءة المشهد الصهيوني من مصدر موثوق وشامل.
وعلى الرغم من المعاناة التي يواجهها الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الإبداع لا ينضب، وعنادهم يجابه أقبية وظلام الزنازين؛ ليخرجوا للمكتبة الفلسطينية ما هي بأمَسِّ الحاجة له، من نتاجات إبداعية قيّمة وفريدة، شاملة وغنيّة بأهم ما يدعم دراسة المشهد بعمق وإدارك؛ لذلك تعد وفق المصادر نتاج السجون وعبقرية الأسر وفي ذلك قال الكاتب الفلسطيني وليد خالد: (نشرة المصادر) تقتحم الطريق البكر وتشق خطاها ليضرب لها بسهم في ميدان الإعلام المتخصص في قراءة العدو.
وأضاف: "وفق المصادر" جهد يصدر من داخل السجن؛ حيث أجواء التفتيش والملاحقة والرصد وعدم الاستقرار فضلا عن الضيق ومحدودية الإمكانات وتراكم عدد من الصعوبات والعوائق لا يعرفها على وجه الحقيقة إلا من عاشها، ومع ذلك فالنشرة لم تتأخر ولم يتأثر مضمونها يوما .. إذا أضفنا هذه الأرضية السابقة أدركنا أننا أمام عمل بطولي بامتياز ويستحق الإشادة والتقدير.
ولا زال مركز حضارات مستمرًا في نشر الأعداد اليومية لوفق المصادر، مثمنًا بذلك الدور الريادي والعلمي للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، الذين يواصلون الليل بالنهار؛ ويتحدون المستحيلات، ويفتتون كل المعيقات؛ ليخرجوا دراستهم وأبحاثهم للنور، مثبتين للعدو بأن كل قيودهم لن تثني الأسير الفلسطيني عن التفاعل مع مجريات الحياة، ولا يبقى أسيرًا للأرقام والمؤبدات والمساحات، فلا بدّ أن يكسر القيد، ويثبت أن لا سلطة تعلو فوق سلطة إرادة الفلسطيني.