عامٌ جديد يستقبله الشعب الفلسطيني بعد أن طوى عامًا مضى من الصمود والتحدي مُستمسكًا بهويته الفلسطينية، ومُتسلحًا بعدالة قضيته، وقرارات أممية وفرت له غطاءً دوليًا لمقاومة المحتل، والمطالبة بحقه في تقرير المصير أسوة بسائر شعوب الأرض الذين خاضوا تجربة العَيْش قسرًا تحت الاحتلال العسكري الأجنبي.
شهد العام المنصرم 2020م تخلي بعض الأشقاء العرب طوعًا عن نُصرة القضية الفلسطينية وإسناد الشعب الفلسطيني بما يحتاجه من دعم سياسي ومعنوي أمام المحافل الإقليمية والدولية، وذهبوا إلى ملاحقة من كتب كلمة أو جمع قِرشًا نصرة للشعب الفلسطيني، بحثًا عن مصالح وهمية يستجدونها لدى الكيان الصهيوني ظنا منهم بأنه سيمنحهم تطورًا تكنولوجيًا يفتقدونه، أو يوفر لهم القوة والمنَعة في مواجهة عدوان خارجي قد يهدد عروشهم وأنظمتهم العربية.
في قراءتنا لتوقعات العام الجديد والتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية لا بد لنا من الوقوف على أبرز الإنجازات التي حققها الفلسطينيون في العام المنصرم، كذلك الإخفاقات التي أصابت القضية نتيجة خلل فلسطيني داخلي أو مخططات خارجية، لعلنا نتمكن من استقراء المشهد الفلسطيني في المستقبل القريب.
إنجازات فلسطينية واضحة
حقق الفلسطينيون ما لا تخطئه العين على صعيد مراكمة القوة وتعزيز برنامج المقاومة، وتعزيز الوحدة الداخلية التي وصلت إلى مرحلة مُتقدمة بتنفيذ مناورة عسكرية ميدانية شاملة في غزة، ضمت اثني عشر جناحًا مُسلحًا يتبعون مختلف القوى والفصائل الفلسطينية، في ترجمة عملية على وحدة الصف العسكري، وهي خطوة متقدمة على صعيد مواجهة الاحتلال، كما أن مشاغلة الاحتلال كانت ولا زالت هدفًا للمقاومة الفلسطينية التي أطلقت 176 صاروخًا وقذيفة هاون على مستوطنات غلاف غزة خلال العام 2020م.
وفي الضفة المحتلة لا زال الشعب الفلسطيني مُتمسكًا بحقه في مقاومة الاحتلال، حيث شهد العام المنصرم تنفيذ 31 عملية إطلاق نار إضافة إلى 9 عمليات طعن فردية، نتج عنها مقتل ثلاثة من جنود الاحتلال ومستوطنيه وإصابة عشرات الآخرين، كما نفذ الشبان الفلسطينيون 229 عملية إلقاء زجاجات حارقة على مواقع ومركبات الاحتلال، إضافة إلى 1500 عملية رشق بالحجارة تجاه الاحتلال ومستوطنيه في الضفة.
وعلى الصعيد الأمني راكمت المقاومة الفلسطينية من نجاحاتها الميدانية بقدرتها على إخفاء أسرى جيش الاحتلال لعام آخر، سيما شاؤول أرون وهدار غولدن الذيْن وقعًا بأيدي المقاومة خلال عدوان الاحتلال على غزة منتصف العام 2014م دون تمكن الاحتلال الذي يُسيطر على أجواء غزة وحدودها البرية والبحرية من الوصول إلى معلومات قد تُفضي إلى جنوده الأسرى لدى المقاومة.
أما على الصعيد السياسي فقد برزت مشاهد إعلامية أعادت الأمل باستعادة الوحدة السياسية للشعب الفلسطيني، حيث بادرت حركة حماس كبرى فصائل المقاومة الفلسطينية إلى إسناد السلطة الفلسطينية في مواجهة قرار ضم الضفة المحتلة، وعُقدت العديد من اللقاءات السياسية التي خرجت بقرارات فلسطينية ميدانية أفضت إلى تراجع الاحتلال عن خطوة ضم الضفة، وهي خطوة كانت ستقضي عمليًا على الدور السياسي للسلطة الفلسطينية، وتُبدد -حال حدوثها- حُلم الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967م.
وفي أروقة الأمم المتحدة نجح الفلسطينيون في استصدار ثلاثة قرارات اعتمدها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لدعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعدم شرعية الاستيطان الصهيوني في أراضي الضفة وشرقي مدينة القدس المحتلة، كما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي ستة قرارات داعمة للقضية الفلسطينية وحقوق اللاجئين الفلسطينيين.
إخفاقات سياسية
ورغم الإنجازات التي حققها الفلسطينيون إلا أن العام 2020م شهد إخفاقات أصابت القضية الفلسطينية داخليًا وخارجيًا، ربما أبرزها كان تراجع السلطة الفلسطينية عن اتفاق المصالحة الفلسطينية سيمًا التوافق الوطني على تشكيل لجنة موحدة لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة، وتفضيلها خيار استعادة التنسيق الأمني مع الاحتلال على الوحدة مع مختلف القوى الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس.
كما أن جائحة كورونا التي ضربت مختلف المناطق الفلسطينية، وما رافقها من تداعيات سلبية أسهمت بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى تراجع حاد في الاقتصاد الفلسطيني، وصلت معدلاته إلى 12% خلال العام 2020م جراء تداعيات تلك الجائحة، وفي غزة أدى استمرار الحصار الذي يفرضه كيان الاحتلال إلى مضاعفة المعاناة التي يحياها أهالي غزة، وارتفاع معدلات البطالة التي بلغت 49% في الربع الثالث من عام 2020م بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني.
أما في الضفة والقدس المحتلتَيْن فقد شهد العام 2020م تكثيفًا للاستيطان الذي جاوز 12000 وحدة استيطانية صهيونية بحسب تقرير نشرته قناة الغد الفلسطينية، كما مثلت زيارة مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي لمستوطنة بساغوت في الضفة المحتلة دعمًا رسميًا أمريكيًا علنيًا للاستيطان في الضفة المحتلة، في خطوة أمريكية غير مسبوقة، ومخالفة واضحة لكافة القرارات الدولية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية،
وعلى الصعيد العربي شهدنا للمرة الأولى عبر المواقع الإعلامية الرسمية والشعبية الخليجية حملات إعلامية محمومة لدعم الكيان الصهيوني وشيطنة الشعب الفلسطينية وقضيته العادلة، وسط تحالف رسمي مع الاحتلال واستعداء للقضية الفلسطينية من قِبل نظام الامارات، وشهدنا موجة تطبيع عربي سقطت فيه البحرين والسودان والمغرب، كما أشارت تقارير إعلامية إلى سير أنظمة عربية أخرى في هذا المسار السياسي المهين.
توقعات عام 2021م
ربما يمنحنا استعراض المشهد الفلسطيني في العام المنصرم قدرةً على الوقوف على أبرز التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية في العام م2021، فداخليًا من غير المُتوقع إتمام المصالحة الفلسطينية في ظل رهان السلطة الفلسطينية على الإدارة الأمريكية المقبلة، وتمسكها بخيار المفاوضات العقيم مع الاحتلال، وعدم قبولها للشراكة السياسية أو إصلاح هياكل منظمة التحرير الفلسطينية، واستمرارها بملاحقة أنصار المقاومة والتعاون الأمني مع جيش الاحتلال، وهو مسار سيؤدي إلى تصدع هياكل حركة فتح وانفضاض قواعدها الشعبية التي تتمسك بخيار المقاومة خاصة مع استمرار عدوان الاحتلال.
وفي غزة قد يواجه الفلسطينيون صعوبة في هزيمة جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية في ظل استمرار الحصار، وقد تتدحرج الأحداث الميدانية والضغوطات الشعبية باتجاه المواجهة مع جيش الاحتلال، إلا أن حالة الاضطراب السياسي التي يعيشها كيان الاحتلال وذهابه للانتخابات البرلمانية خلال مارس المقبل، قد تدفعه لخيار التخفيف من حصاره المشدد على غزة بهدف تأجيل أي مواجهة عسكرية معها وصولًا إلى انتهاء الحكومة الصهيونية المقبلة من ترتيب أوضاعها الداخلية، وهو الأمر الذي قد يمتد حتى نهاية العام 2021م.
وعلى الصعيد الإقليمي من غير المستبعد أن نشهد إقدام المزيد من الأنظمة العربية مثل عُمان والسعودية نحو التطبيع مع كيان الاحتلال، خاصة مع التسريبات الإعلامية حول عقد لقاءات سرية بهدف إغراء تلك الأنظمة والضغط عليها لدفعها باتجاه التطبيع مع الاحتلال، وصولًا إلى تشكيل نظام شرق أوسطي جديد يضم العديد من الأنظمة العربية تحت قيادة كيان الاحتلال.
وفي المقابل قد نشهد تعزيز محور الممانعة الذي ترعاه إيران، خاصة مع بعض التسريبات التي تتحدث عن محاولات حثيثة لاستعادة العلاقة السياسية بين فصائل المقاومة الفلسطينية وسوريا خلال الفترة المقبلة.