قائمة الموقع

زوجتي سقطت سهوًا

2020-12-30T10:22:00+02:00

جلس أمامي كطاووس قد اكتمل بهاؤه، أخذ ينظف أكمام بزته الأنيقة من أثر غبار وهمي، قبل أن يرفع عينه إلي قائلًا بصوت هادئ مصطنع: "الحقيقة أنني أريد الزواج مرة ثانية، ليس هناك ثمة مشكلات كبيرة مع زوجتي الحالية، كل ما هنالك أنها لم تعد مناسبة لي".

هم برفع فنجان قهوته ليرتشف منه رشفة، غير أن نظرة الاستفهام التي ارتسمت على وجهي جعلته يعدل عن الفكرة ويستطرد بسرعة: "كانت الأمور بيننا عادية في بداية الزواج، غير أنه مع الوقت، صرت أرتقي في عملي، ومعارفي، ومستواي الفكري، والأدبي، وهي كما هي، لم تبذل جهدًا كي تجاري طموحاتي، زادت الفجوة بيننا، لم تعد تجمعنا أي مساحة للحديث، لن تتصور حجم العناء والمشقة اللذين أبذلهما في العيش مع إنسان ذاهل عما يحدث لك، ولا يجتهد كي يكون عند حسن ظنك، مؤلم أن تشعر أن شريك حياتك قد سقط سهوًا دون أن تشعر به، وصار عليك أن تكمل المشوار دونه".

"تفضل قهوتك" قلتها له فيما يشبه صيغة الأمر، هذا طاووس آخر، واحد من أصحاب الشوارب النرجسيين، الذين يطالبون الحياة ومن فيها أن يمضوا وفق أهوائهم، يتطورون حينما يتطور، يربتون على كتفه حينما يتعثر، يتحملون ضعفه، وهوانه، غير أنه في المقابل لا يرى أن عليه دورًا يجب أن يقوم به تجاه شركاء الحياة من حوله، الأسهل أن ينزلهم من قطار حياته، ويبحث عن آخرين يناسبون المرحلة الجديدة، والشخصية الجديدة.

على كلٍّ، دعونا نفهم ما حدث لصاحبنا، ولنبدأ الحكاية من أولها:

في الغالب عندما نتزوج تكون المساحة بيننا شبه متقاربة، كلانا لا يزال في مبتدأ الحياة، في مطلع الطموحات، غير أنه مع الوقت يبدأ أحدنا في التعامل مع "سرعة الحياة" speed of life بشكل مختلف، فيصبح سريعًا في تفكيره ونزوعه، سريعًا في القفز على سلم طموحاته الشخصية، جعبته أكثر امتلاء بالخبرات والنجاحات، يتغير موقعة الفكري، والمهني، والاجتماعي، ينضج شعوره العام، في الوقت الذي تبطئ حركة شريكه من جراء المهام الروتينية التي يؤديها، وقلة التحديات وتنوعها، من هنا يبدأ الطرف الأسرع استشعار تأخر شريكه عنه، وربما فكر في عدم ملاءمته له.

بشكل أكثر وضوحًا وتحديدًا، يجد الرجل أن المرأة التي معه لم تعد مناسبة لموقعه الجديد، وأنها غير قادرة على تفهم التغيير الذي طرأ عليه، وقلة وعيها في التعامل معه، وعدم قدرتها على إمداده بالأفكار، ولا قدرتها على الإلهام والتحفيز، ولا ملء خزان مشاعره وفكره بما يتلاءم مع التطور الذي يحدث له.

وقد يحدث أن يشعرها بهذا، ويتفنن في إخبارها عن حجم التضحية التي يقدمها بالتعايش مع إنسان لا يعي ولا يقدر ولا يتفهم ما يمر به ويواجهه.

نعم هذا يحدث، ولن يخبرك أحد -يا للأسف!- عن خطورة أن يحدث، غير أن ما أقوله أمر واقع ومشاهد، ويترك غصة في القلب لا يمكن تفاديها.

نحن شركاء في مؤسسة تدعى الزواج، هذا هو الملمح الأول في حل هذه الإشكالية، علينا أن نعي جيدًا أن تخلي أي شريك عن مهامه سيضر بالشركة في مجملها، الحقيقة أن الشركات الناجحة في المجال التجاري باتت منتبهة لهذا، فتجدها تهتم بأعضائها وتتعامل معهم على أنهم شركاء نجاح لا مجرد موظفين، وتعمل على تنمية قدراتهم ومهاراتهم، وتخصص جزءًا من ميزانيتها لإعطائهم دورات كي يكونوا على نفس مستوى التطور العام الذي تمر به المؤسسة.

وهذا ما يجب أن تقوم به -صديقي الزوج- أن تكون أكثر إيجابية، وترتقي بزوجتك، وتساعدها وتأخذ بيدها كي تعلو معك وتتطور، يجب عليك -نعم يجب عليك- أن تنبهها إلى أهمية ما لا تنتبه هي إليه، وذهلت عنه في أثناء انغماسها في دورها أمًّا وراعية للمنزل.

عليك أن تساعدها في هذا، تتخلى عن بعض مطالبك، تخفف عنها بعض الأعباء كي يتسنى لها المضي معك في طريق التطور.

عليك أن تتخلى فورًا عن لغة التأنيب، ولهجة الشكوى، والتلميح أو التصريح بتقصيرها وتخاذلها، دعك من أنها تأخرت كي تقوم بما كان يومًا يسعدك ويريحك، بل كنت تحاسبها على تقصيرها عنه.

ليس من المروءة أبدًا أن تخرج عليها بزينتك وعليائك، وتبدأ في قياس المساحة التي تفصل بينك وبينها لتؤكد لنفسك ولها أنها أقل منك، وبالتالي احتياجك لمن يراعي حساسية المرحلة وأهميتها.

وأنتِ -عزيزتي- عليك أن تنتبهي لهذا، لا تنسي نفسك في زحمة الحياة، إياكِ أن يبحث عنكِ زوجك فلا يجدك، أو يراكِ بعيدة غير قادرة على تلبية ندائه في الوقت المناسب وبالشكل المناسب.

اهتمي بتنمية نفسك، وعقلك، وجسدك، وروحك، لا تتركيه يمضي وحده، بل اجتهدي في اللحاق به، وكوني له عونًا وسندًا، واقطعي الطريق أمام أي فراغ يمكن أن يحيط به.

وصدقيني حين أخبرك أن أحد أخطر التحديات التي تواجه الأزواج اليوم هو فرق السرعات، وتخلف أحدنا عن ركب صاحبه.

اخبار ذات صلة