فلسطين أون لاين

يوافق يومها الـ(18) من ديسمبر سنويًّا

"في حبّ العربية".. غزيّان تجري "الفصحى" "في عروقهما"

...
غزة- مريم الشوبكي:

طغت اللهجات العامية والمصطلحات الأجنبية على حديث الناس في بلادنا، ولم تعد اللغة العربية الفصحى تجري على لسان كثيرين كما في السابق، وتراجع اهتمامهم باللغة الأم في الحياة اليومية وغيرها، وأصبح هَمُّ كثيرين التركيز على إتقانهم وإتقان أطفالهم الإنجليزية.

وعلى الرغم من ذلك تجد أناسًا يصرون على التحدث بالفصحى في تعاملاتهم اليومية ولا يعيرون انتباهًا لانتقادات بعضٍ واستهجانهم هذا الفعل "كأنهم شواذ عن القاعدة"، مع أن القاعدة تقول إن الأصل أن يتحدث أهل العربية بالفصحى لأنها لغتهم الأم وهي لغة القرآن الكريم.

"بتلقائية"

بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق الـ18 من كانون الأول (ديسمبر) تعبر المترجمة الكاتبة نجوى غانم عن اعتزازها بلغتها، قائلة: "أؤمن بأن من واجبي الحفاظ على اللغة العربية والاعتزاز بها، لذا لا ألتفت إلى الانتقادات، مهما حملت من السخرية والاستهزاء".

في حديث مع صحيفة "فلسطين"، تتابع نجوى (42 عامًا) من مدينة غزة: "لم أدرك حبي للفصحى؛ فقد كان الحديث بالفصحى تلقائيًّا في بيت يقرأ القرآن ويستمع إلى دروس التفسير ويزخر بالكتب على اختلاف أنواعها، ويتخذ القراءة هواية والكتاب صديقًا".

"لكنني أذكر أنني كنت في الصف الثاني الابتدائي عندما استغربت معلمتي صياغتي جملتين عبرت بهما عن قيمة الوطن، وسألتني عن مصدرهما ولم تصدق أنهما من إنشائي" تواصل حديثها.

ولما كانت نجوى في الصف الرابع كتبت تقريرًا بالعربية الفصحى عن رحلة قامت بها مع مدرستها إلى المناحل، وفازت بأفضل تقرير حينها، وبشرها معلم اللغة العربية بأنها ستصبح كاتبة في المستقبل، وكان لها ما تنبأ به.

في أثناء التسوق، حتى خلال إجرائها أي معاملات لأي مؤسسة، أو عند مقابلتها أي شخص، تبين أنها تتحدث بالفصحى لا شعوريًّا؛ فالفصحى تجري على فمها مجرى الدم في الجسم، وكثيرًا ما تلقى الاستهجان من بعضٍ إذ ينبهونها أنها مختلفة.

وتذكر موقفًا مع إحداهن سألتها: "كيف تتعاملين مع زوجك بالفصحى؟"، والطريف أن زوجها أيضًا يتحدث بالفصحى، وأبوها كان يفعل ذلك وإخوتها وأخواتها كذلك.

فهل تراجعت نجوى عن التحدث بالفصحى تأثرًا بالانتقادات التي توجه إليها؟، تجيب: "الأمر غير متعمد يصدر بتلقائية بحتة، وحرصت على إحاطة أولادي بها، من المصادر المقروءة أو المسموعة أو المرئية، ويكتبون القصة أيضًا".

وتذكر نجوى أنها خلال زمالتها لمعلمي لغة عربية على مدار 13 عامًا عملت فيها في تعليم اللغة الإنجليزية لاحظت عدم استخدام كثيرين اللغة العربية الفصحى داخل الغرف الصفية لغة للتواصل، بل اقتصر الأمر على استخدامها للتعليم فقط، ولم تلحظ إلزام الطالبات التحدث بها خلال حصص اللغة العربية.

وتدعو الآباء والأمهات إلى إحياء اللغة العربية في البيوت بقراءة القرآن والقراءة عمومًا، وتعويد الأبناء مشاهدة البرامج الناطقة بالعربية الفصحى، "لأن الذي لا يتقن لغته لن ينفعه إتقانه أي لغة أخرى".

أما المعلم جمال سلمان من بيت لاهيا شمال قطاع غزة فهو عاشق للغة الفصحى ومولع بها منذ نعومة أظفاره، ومن شدة حبه لها كان يتنمى أن يمارسها، وكان يعشق المسلسلات التاريخية التي يتحدث أبطالها باللغة الفصحى، وكان يحلم أن يصبح ممثلًا يوما ليمثل دورًا فيها.

سلمان (63 عامًا) معلم لغة عربية متقاعد، درسها لمئات الطلبة على مدار 23 عامًا، يقول في حب اللغة العربية لصحيفة "فلسطين": "من حبي لها وشغفي بها عزفت عن تخصصات كثيرة وآثرت اللغة العربية، وكنت من المتفوقين على مستوى جامعة الإسكندرية التي درست بها، وكنت أود إكمال الدراسات العليا، ولكن الظروف المادية حالت دون ذلك".

ويتابع: "كنت أمارس الفصحى في أثناء شرح الدروس، وأصبحت لغة دارجة على لساني، لأن اللهجات العامية تذيب الفصحى، وأنا من المشجعين على استخدام مفردات اللغة في الحياة والمعاملات الحياتية، فنحن إن مارسناها فسنحيي اللغة ونجعل لها قيمة".

وغالبًا ما ينعت سلمانَ من يعرفونه على سبيل المزاح بـ"ملك اللغة العربية" و"النحوي"، لأنه يستخدم اللغة العربية في حديثه بنسبة تفوق 90%.

ويعلق قائلًا: "يعدونني شاذًّا عن القاعدة، ولكن في الحقيقة أنا القاعدة وهم الشواذ".

ويشير إلى أنه يتحدث مع أولاده وأهل بيته بالفصحى، حتى يقتفوا خطواته ويحافظوا على لغتهم، مضيفًا: "ولو عاد الأمر إليّ لأرغمت الجميع على الحديث بها لأنها لغة القرآن، ومطلوب منا مجتمع عربي ومسلم أن نحافظ عليها".

ويدعو المعلم سلمان العرب والمسلمين إلى أن يولوا هذه اللغة اهتمامًا، وألا يأخذوا الموضوع على محمل الهزل بل على محمل الجد، وأن يتعلموا ولو شيئًا يسيرًا من قواعد اللغة حتى يقوموا لسانهم ويحافظوا على لغتهم لتبقى نموذجية وجيدة وتتفوق على الإنجليزية.