مرت حركة حماس بظروف غاية في التعقيد وتعرضت لتحديات جسام بغية إسقاطها بأي صورة، واستمرت محاولات اجتثاثها، وتعاظمت الاستهدافات الممنهجة لإزاحتها من المشهد السياسي والميداني عمومًا، فلم يتبقَّ طريق إلا وسلكته أطراف محلية وإقليمية ودولية للقضاء على هذه الحركة، إلا أنها وعلى الرغم من الهجمة الشرسة عليها استطاعت البقاء والصمود وتعاظمت قدراتها السياسية والعسكرية حتى هذه اللحظة التي تتزامن فيها ذكرى انطلاقتها الـ(33).
وفي هذا السياق من الضروري استعراض أهم المحطات التي استهدفت فيها الحركة على مدار 33 عامًا، ففي عام 1989 اعتقل المئات من كوادر وأنصار الحركة لوقف نشاطها وإجهاض الانتفاضة، وقد أبعد الاحتلال قيادة حماس إلى مرج الزهور في عام 1992، وفي عام 1995 تصاعدت الملاحقة للحركة من قبل الاحتلال وأجهزة السلطة، وتبعه عام 1996 حيث بلغت المطاردة والملاحقة ذروتها.
وتصاعدت حملات الاستهداف في عام 2004 بعودة سياسة الاغتيالات حيث اغتيل عدد من القيادات أبرزهم الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي، وبعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية في عام 2006 تم الانقلاب على شرعيتها، وحوصرت في 2007، ثم انتقلت المواجهة لشكل مختلف من خلال محاولة تحطيم قوة الحركة وإنهاء وجودها بثلاث حروب: 2008، 2012، 2014 شنت على القطاع، فخرجت حماس منتصرة وهي تأسر جنودًا إسرائيليين وأصبحت تمتلك أوراق قوة أخرى.
ويمكن افتراض أن عوامل وأسبابًا عدة ساهمت مجتمِعةً في ثبات الحركة وصمودها، وتطور أدائها، وكان أبرز هذه الأسباب تمتع الحركة ببناء تنظيمي متماسك وممتد خارج الأراضي الفلسطينية وداخلها، ما مكَّنها من الاستمرار في العمل والتحرك للتغلب على حالات الملاحقة والاستهداف وتجاوز الحصار المفروض عليها منذ سنوات.
فضلًا عن قدرتها على تشكيل مكتب سياسي للحركة يمثل كل المناطق وينفذ سياسات موحدة ومركزية للحركة ويحظى بتأييد الجميع، لكون هذا المكتب يكون نتاج انتخابات تتم داخل دوائر التنظيم، ويتحمل مسؤولية كل الملفات التي تديرها الحركة وعلى رأسها الشأن السياسي، وفي الدوائر الأخرى للتنظيم تكون هناك هيئات إدارية وشورية متناسقة ومنتظمة.
إضافة إلى قدرتها على بناء جناح عسكري (كتائب القسام) قوي وقادر على حماية مشروعها الوطني والسياسي، والذي أثبت قدرته على مواجهة التحديات ورد العدوان على شعبنا الفلسطيني، في ظل الاستهداف المتكرر والتهديدات المتعاظمة، فطورت من إمكانات جهازها العسكري بإمداده بالمال والسلاح وجندت له الآلاف من صفوفها، والذين أصبحوا يمتلكون قدرات قتالية نوعية مكنتهم من تحقيق انتصارات متتالية في مواجهة جيش الاحتلال.
إضافة لبنائها منظومة إعلامية فعالة وقوية تضم الإذاعات والتلفزيون والمواقع والصحف والوكالات وغيرها من الإمكانات الإعلامية، الأمر الذي وفر لها غطاءً إعلاميًّا مناسبًا لمواجهة حالة الشيطنة والتشويه التي تتعرض لها الحركة، فقد ساهمت دوائرها الإعلامية في الدفاع عنها وعن برامجها وتوجهاتها السياسية ومواقفها المختلفة، ومثلت هذه المنظومة "رافعة كبيرة" ومهمة لتحصين وحماية الحركة، وإيصال رسالتها لمحيطها الإقليمي والدولي.
كما نجحت في بناء "جهاز أمني" داخل تنظيمها عمل على رفع مستوى الوعي الأمني وسعى للارتقاء بقدرات الكوادر والعناصر من خلال نقل تجارب خارجية ومتطورة في مجال الأمن لتكون فاعلة داخل دوائر التنظيم في كل الإجراءات المتبعة، الأمر الذي ساهم في بناء (سور واقٍ) لمنع محاولات الاختراق أو العبث داخل صفوف الحركة، وتحصين التنظيم ودوائره الخاصة والمغلقة في كل الظروف، وإفشال المحاولات المعادية لاستهداف الحركة.
وقد عززت من قوة مؤسساتها الإدارية والاجتماعية حيث ساهم دورها الإغاثي والاجتماعي في مساندة شعبنا الفلسطيني في ظل أزماته المتلاحقة، وأكسب الحركة مكانة داخل المجتمع الفلسطيني، ووفر لها قواعد جماهيرية كبيرة، الأمر الذي جعلها تتمتع بحاضنة قوية، أكسبت الحركة ثقلًا في الشارع الفلسطيني.
وسعت لإتمام المصالحة الوطنية وحرصت على إنجاح الحوارات لإنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية، وتعاملت بمرونة مع كل التدخلات الفلسطينية والعربية الرامية إلى إنجاح هذا المسار، حرصًا على ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وإصلاح المؤسسات التي تمثل الشعب الفلسطيني، ورغبة في بناء شراكة سياسية حقيقية لقيادة المشروع الوطني في مواجهة التحديات الراهنة.
وقد أفلحت في بناء تحالفات وعلاقات متوازنة في المنطقة بعيدًا عن الخلافات والتباينات الواقعة بين الدول، فقد تقاربت مع تركيا وقطر وماليزيا وإيران ولبنان وسوريا والسودان وغيرها من الدول، وبقيت منفتحة على الجميع، وقد مرت العلاقة مع البعض بأزمات لكن سرعان ما تُرمَّم، ونجحت الحركة مؤخرًا في بناء علاقة مع مصر من خلال الحوارات والتفاهمات الاستراتيجية الحاصلة، ما مكنها من تجاوز أزمات وتحديات كبيرة كانت قائمة ونقلها لمسار جديد من العلاقة.
هذه جملة من الأسباب والخطوات والمواقف التي ساهمت في صمود هذه الحركة، وثبات مواقفها، الأمر الذي مكنها من البقاء والتعاظم في الساحة الفلسطينية لتكون الحركة السياسية الأبرز صاحبة المشروع المقاوم الذي أثبت صلابة مواقفه وصدق توجهاته في مقارعة الاحتلال، وحماية المشروع الوطني، وهذا بدوره عزز مكانتها وجعلها محل اعتبار إقليميًّا ودوليًّا، إذ بات من الصعب تجاوزها بأي صورة.