لا تزال السلطة في رام الله في حيرة من أمرها بسبب رفض الاحتلال الإسرائيلي وقف اقتطاع مبلغ 40 مليون شيكل من المقاصة الفلسطينية كثمن للكهرباء التي يزود الاحتلال بها قطاع غزة، فما الأسباب التي تدفع بـ(إسرائيل) إلى عدم الاستجابة لطلب يخدم مصلحتها في التضييق على حركة حماس؟
سؤال تتطلب الإجابة عنه النظر بالبعد الأمني الإسرائيلي لتقدير مثل هذه الحالات، لإدراكها بأن الضغط على عصب "حماس" قد يتحول إلى ردات فعل تضر بحالة الهدوء التي ترغب بالحفاظ عليها في هذه المرحلة، كما يرى مراقبون.
ويقوم الاحتلال عادة، بخصم ثمن الكهرباء التي تغذي غزة من "ضريبة المقاصة" التي تخصمها من أموال الضرائب المفروضة على البضائع الواردة إلى القطاع عن طريق معبر "كرم أبو سالم" التجاري، والتي يقدّر حجمها بـ 120 مليون دولار شهريا.
ليس معنياً
ويرى المحلل السياسي راسم عبيدات أن الاحتلال الإسرائيلي ليس معنياً بتفجير الأوضاع في غزة، والتي من المرجح أن يكون انفجارها باتجاهه "لذا سيسعى لتبريد الصراع الفلسطيني الداخلي".
ويشير لصحيفة "فلسطين"، إلى أن الاحتلال يدرك أن تنفيذ طلب السلطة يعني "أن شعب غزة لم يعد لديه شيء ليخسره وسيبلغ انفجاره مداه، أي أن (إسرائيل) ترفض من بعد أمني وليس إنسانيا".
وذهب إلى القول بأن الذي قتل الأطفال على مدار ثلاثة حروب ضد قطاع غزة "لا تهمه إن ناموا على ضوء الكهرباء أو عاشوا حياتهم دونها، ولكنه يخشى أن يصل السكان إلى ردات فعل لا يمكن السيطرة عليها".
أكثر من احتمال
أما الكاتب والمحلل السياسي، ساري عرابي، فيرى أن ثمة أكثر من احتمال لرفض طلب السلطة، حتى وإن خدم في ظاهره هدف الاحتلال بتأليب الرأي العام على حماس التي تدير غزة.
ويوضح لصحيفة "فلسطين" أن الاحتمال الأول، قد يكون أن عباس اتخذ قرار حرمان غزة من الكهرباء منفرداً دون موافقة إسرائيلية أو غطاء عربي مسبق، مشيراً إلى أن الاحتلال لا يرغب بانفجار غزة "خشية أن يدفع هو ثمنه وهو ما لا تريده (إسرائيل) ولا حتى الإدارة الأمريكية".
ويلفت إلى أن الاحتمال الثاني فهو أن "الاحتلال والإقليم والقوى الدولية تسعى إلى خلق قضية خاصة بقطاع غزة".
ويشرح عرابي بأن الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الدولي "يسعيان إلى دفع قطاع غزة للبحث عن حلول منفردة به عن مجمل القضية الفلسطينية وذلك في سياق ترتيب إقليمي شامل"، مشيراً إلى أن الترتيب الجديد للمنطقة يقتضي بقاء الاحتلال الإسرائيلي مسيطراً على الضفة الغربية فيما يدور الحديث عن دولة غزة وسيناء"، على حد قوله.
وتمثل الطاقة الواردة عبر الخطوط الإسرائيلية بعد توقف محطة كهرباء غزة عن العمل حاليا أكثر من 80 في المائة من الكهرباء بغزة، إذ يصل يوميا ما يتراوح بين 120 إلى 125 ميغاوات.
مجال حيوي
في حين يرى المختص في الشأن الإسرائيلي د. مأمون أبو عامر، أن قطاع غزة يقع ضمن المجال الحيوي الإسرائيلي وأن أي حراك أو تغيير فيه سيؤثر عليها ولهذا رفض طلب السلطة.
ويقول لصحيفة "فلسطين":" إن قطع الكهرباء عن قطاع غزة سيعتبر مركز تهديد لأمن (إسرائيل) حيث تعتبر أن أي اثارة للأوضاع القائمة فيه من شأنها أن تدفعه نحو المواجهة معها وهذا ولا لن تريده الآن".
وأردف قائلا، إن قطع الكهرباء عن غزة "سيدفع إلى مواجهة" مع الاحتلال الإسرائيلي أي أن (إسرائيل) هي من سيتحمل تبعات قرار السلطة ورئيسها محمود عباس وهذا لن يكون في صالحها، بينما في يدها أموال المقاصة الخاصة بالسلطة والتي يمكن أن تستفيد منها.
وختم حديثه بالقول:" طالما الإسرائيليون يملكون مال السلطة فما حاجتهم إلى أن تتحول المواجهة بين السلطة وحركة حماس إلى مواجهة بينهم وبين حركة حماس في غزة، أي أنهم يفضلون المال على الحرب".
ويعاني قطاع غزة من أزمة حادة في الكهرباء لا يتوفر منها إلا أقل من 200 ميغاوات، من بين احتياج القطاع من الكهرباء الذي يصل إلى 400 ميغاوات على الاقل، وفق أرقام سلطة الطاقة الفلسطينية.