فلسطين أون لاين

الطفل "سليمان" بعد سماعه أول مرة: "علِّي الصوت"

...
غزة/ هدى الدلو:

نظرات غريبة وتوتر وعدم تركيز تلك الحالة التي ظهرت على الطفل سليمان في غرفة التدريب السمعي، فحاولت مدربته أن تكسر جموده وتظهر مدى تقدم حالته بسؤاله: "أين الباب يا بطل؟، ما اسمك؟، طيب أكم عمرك؟" وغيرها، صمت في البداية أمام تلك الوجوه والأصوات التي لم يألفها من قبل، ولكن بتشجيع من أمه التي تجلس على كرسي صغير بجواره بدأ يجيب عن الأسئلة تباعًا، ولكن بصوت منخفض، لترتسم على الأم فرحة بابنها كيف كان؟، وكيف أصبح؟

"علي الصوت كمان" هكذا عبر سليمان المصري (8 أعوام) عن فرحته بعدما سمع أول مرة الصوت، فبعد أن صمت ثواني حرك بؤبؤا عينيه يمينًا ويسارًا ثم طلب من الطبيب المعالج أن يرفع درجة الصوت أكثر، وكأنه لا يصدق نفسه بأنه يسمع الصوت حقيقة.

أما والدته سماح "فعادت إليها روحها من جديد" فكيف لا وطفلها يمارس حياته الآن طبيعيًّا؟!، ستنتهي معاناتها معه الممتدة منذ سنوات وهي تهرع فيه إلى العيادات والمؤسسات التي تعنى بهذه الفئة.

ولد سليمان وهو الرابع بين إخوته فاقدًا للسمع بسبب مشكلة وراثية، فوالدته بعد أن أنجبت طفلتها الأولى وكانت تعاني ضعف سمع، ولم تكتشف ذلك إلا بغتة عندما أصبحت في أولى مراحلها الدراسية؛ أصبحت تُجري اختبارًا لهم في سن مبكرة لتتحقق من سلامة تلك الحاسة.

هذه المرة حرمت سماح أن تسمع من سليمان كلمة "ماما"، ويستطيع أن يعبر عن وجعه أو تستمع لشكواه، أو أن يطلب ما يحتاج له في حال شعر بالجوع أو العطش.

تقول لصحيفة فلسطين: "كان له في بعض الأحيان تصرفات غريبة لا أفهمها بسبب عدم القدرة على التواصل فيما بيننا، فيلفت انتباهنا بشقاوته إلى جانب حبه لتملك كل شيء، فكان إذا شاهد لعبة يرفض الصعود للسيارة دون أن أشتريها له، ولا أتمكن من أن أقول له لا أستطيع شراءها".

ومع ذلك لم تدخر جهدًا وهي تجول فيه على الأطباء الذين يعنون بتلك الحالة، حتى باتت تفقد الأمل في أي تحسن على حالته، ولكن نصحها أحد أقاربها بأن تسعى لزراعة قوقعة.

أصبح يتلقى جلسات تأهيل في قسم السمعيات بمستشفى الشيخ حمد بن خليفة آل ثانٍ للتأهيل والأطراف الصناعية بغزة، الممول من صندوق قطر للتنمية، قبل زراعة القوقعة.

كانت تنتظر سماح يوم العملية وما يليه بصبر نافد، تقول: "فحينها تنتهي معاناتي ومعاناة سليمان معًا، لا أخاف عندما يخرج وحده من البيت خاصة وهو صغير، أستطيع أن أعلمه وأضبط تصرفاته، ويمارس حياته كأي طفل عادي".

بعد أن زرعت لسليمان القوقعة بغرس جهاز إلكتروني داخل الأذن الداخلية للمساعدة على السمع، والحصول على تأهيل ما بعد الزراعة؛ جاءت اللحظة التي سيتحقق فيها الفريق من سماعه، فكانت نظراته وضحكاته كفيلة بأن تعطي الطبيب النتيجة.

وعاد كطفل ولد من جديد، لم يتجاوز الشهور، وبين وقت والآخر يصدر أصواتًا ليتحقق أنه لا يزال يسمع، وينزعج كثيرًا عندما يتحدث معه أحد بلغة الإشارة، ويصرخ غضبًا إذا قال له أحد سآخذ منك الجهاز، ويحلم هذا الصغير ببراءته بأن يصبح طبيبًا مثل الطبيب الذي أجرى له العملية، حتى يساعد كل طفل يعاني أي مشكلة.