فلسطين أون لاين

​منذ 17 عامًا .. بمشغولاتها اليدوية تعيل عائلة

...
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

كانت الفلسطينية مها البيوك تقضي وقت فراغها أثناء عيشها في العاصمة السعودية الرياض بتجهيز مطرزات تراثية كهواية ليس إلا، ولكن عندما عادت إلى قطاع غزة تبددت تلك الهواية لتضحي مصدر دخل أساسي لعائلتها.

وتعرف عن نفسها: "أنا أم أحمد ولدت في السعودية عام 1973، وهناك علمتني والدتي فنون التطريز وحبك الأقمشة، حيث كنت أجهز المشغولات اليدوية بجميع أصنافها في البيت وأبيعها للفلسطينيين المغتربين أو الهواة، وفي عام 1989 سافرت إلى غزة للزواج وتأسيس حياة جديدة".

اقترنت السيدة الأربعينية برجل يعمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وعلى وقع اندلاع انتفاضة الأقصى وإغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمنافذ التجارية، أصبح أبو أحمد عاطلا عن العمل، لتتولى الزوجة مها في هذه اللحظة زمام المبادرة طواعية وحبا بعائلتها الناشئة.

تضيف لـ "فلسطين": "أحببت الفنون اليدوية والتطريز وعالم الخيوط منذ الطفولة وكنت بارعة في تجهيز مستلزمات الأعراس وأفراح المغتربين باللمسات الوطنية التي تشير إلى الهوية الفلسطينيّة وعراقة تاريخنا المتجذرة في الأرض".

وتزيد البيوك "كان كل ذلك تسلية وقضاء وقت الفراغ، غير أن جلوس زوجي في البيت وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية دفعني إلى تسخير القدرات الذاتية بتجهيز مشغولات يدوية وتراثية لبعض الأقارب والجيران مقابل أجور مادية مع إعطاء دورات متخصصة في هذا المجال".

وبعد بضع سنوات من المحاولات الأولى للفلسطينية مها باتت مكاسب فن التطريز العمود الاقتصادي الوحيد والأهم للعائلة، التي فقدت أحد أفرادها "محمد" قبل نحو ست سنوات أثناء عملها في أنفاق التهريب، التي كانت تربط بين مدينتي رفح الفلسطينية والمصرية.

وتشير إلى أن جميع أفراد عائلتها العشرة يتشاركون في إنجاز أعمال السيتان المختلفة والمشغولات الصوفية والخرز والكروشيه بأنواعه، فبعضهم يلعب دورا محوريا (البنات الست) أما البقية فتوكل لهم المهام اللوجستية كتوصيل وتحضير المواد الخام اللازمة لطلبات الزبائن.

وبينت البيوك أن مستوى الطلب يتذبذب بين الحين والآخر لأسباب مختلفة، ولكن يشهد ارتفاعا جيدا خلال شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى، بجانب بعض المناسبات السنوية كيوم الأرض والأسير والأم ومطلع السنة الميلادية الجديدة.

في منتصف عام 2007 فرضت (إسرائيل) حصارا مشددا على غزة، وحينها واجهت البيوك تحديات متعددة تعلقت بكيفية توفير المواد الخام وأخرى مرتبطة بمستويات البيع والتسويق في ظل زيادة عدد العاملات في مجال المشغولات المطرزة وتردي الأوضاع الحياتية عموما.

وكيف واجهت أم أحمد ما سبق، تجيب "شهدت أسعار البيع ارتفاعا ملحوظا وأحيانا كانت تنقطع المواد الخام من السوق إلا أن ذلك لم يقف عائقا أمام الاستمرار في العمل، إذ التزمت بالتجديد بالمواد وإدخال فنون التطريز واللمسات التراثية على مسطحات جديدة كالأخشاب مثلا".

وتوضح "أؤكد دائما على مبدأ التجديد والتنويع في الأساليب وعدم الاقتصار على فن بعينه فالزبون قد ينفر من المنتوجات إذ بقيت تحمل ذات البصمة، أما لو أضفنا لمسات حديثة فإنها ستستقطب الجمهور وحتى إن كانت المنافسة شديدة".

البيوك، التي تستعد قريبا لإدخال التطريز إلى غرف النوم كسابقة هي الأولى من نوعها، لم تخف تذمرها من أزمة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة يوميا، حيث تجبرها المشكلة على العمل فقط خلال ساعات النهار وقت توفر الإنارة المناسبة.

وبعد 17 عاما من العمل، لم تتوقف الأربعينية أم أحمد عن تطوير مهاراتها ومتابعة كل جديد على الشبكة العنكبوتية، محاولة في الوقت ذاته الجمع بين عبق الماضي وإبداع الحاضر، لأن دون ذلك سيفقد العمل قيمته، كما ذكرت مها البيوك في ختام حديثها.