قائمة الموقع

عمر الغرباوي.. من قفص الزوجية يُحلّق في مضمار الماراثون

2020-12-08T12:48:00+02:00
C08A0538.jpg
فلسطين أون لاين

أطلق الحكم صافرته؛ وانطلق المتسابقون على مضمار تحدي إعاقاتهم يناضلون من أجل الجزء المفقود من حياتهم، في الصورة تتسابق عجلات كرسي عمر الغرباوي الذي خرج من قفص الزوجية، وهي تتحرك مع يديه كأنه يركب على ظهر خيل يتخطى المتسابق واحدًا تلو الآخر يطير إلى "خط النهاية".

ما إن وصل إلى خط النهاية وقطع مسافة ألف متر، فاردًا ذراعيه منتفض الصدر للأمام  منتشيًا بالانتصار والظفر بالمركز الأول في ماراثون لذوي الإعاقة، حتى حلت نظرة فرح وابتسامة رسمتها ملامحه.

تنسدلُ كل خصال الفرح على ملامحه، بعد أن التقط  أنفاسه، وهدأت انقباضات نبضات قلبه المتسارعة، خرج عن صمته ممرًا يديه على قطرات عرق بللت ناصيته: "شعورٌ رائع أن تفوز بالمركز الأول، لم يضيع الله تعبي في التمارين الرياضية واستعدادي للماراثون الحمد لله، الحمد لله"، قالها بابتسامة مشرقة وضحكة عريضة وكومة مشاعر فرحٍ ظللت صوته.

حصد عمر نتاج ما زرعه، فمنذ أسابيع يتدرب لكونه لاعب "كرة سلة لذوي الإعاقة" تحسبًا لأي "عودة طارئة للنشاط الرياضي"، تدرب كثيرًا على تقوية الساعد والمناورة بكرسيه المتحرك، حتى أعلن الماراثون الرياضي في اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة، فكان "فرصة ذهبية" لإعلاء الصوت وإيصال رسالة، ما زالت أنفاسه اللاهثة من حمى السباق تسلب صوته حينًا وتمنحه فرصة لالتقاط صوته حينًا أخرى، يعلي نبرته بعفوية: "رسالتنا الاهتمام بذوي الإعاقة، فلنا حقوق كفلها القانون رقم (4) لسنة 1999م".

يتخذ عمر من الرياضة "مساحة للنضال"، لإثبات حقه، وأنه وغيره من ذوي الإعاقة جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، منهم الجرحى والأبطال، مستذكرًا أمجادًا رياضية سطرها ذوو الإعاقة: "عام 1999م مثلنا فلسطين في الأولمبياد أحسن تمثيل، لكن منذ عدت سنوات لم نشارك، لماذا؟!، وإلى متى سنبقى في هذا الحصار؟!"، لا يجد إجابة عن ذلك.

10 سنوات مرت على تخرجه في تخصص "السكرتارية"، لكن لم تتسع فرص الوظائف لكرسي عمر المتحرك، فبقي يجول به في معترك المنافسات الرياضية، ليذكر بقضيته، ويناضل لأجل حقوقه، يتساءل بوجه محمر من التعب، حليق الذقن: "رغم الدراسة والتعب والرياضة، لا أعرف سبب أني حتى اليوم لم أحصل على وظيفة".

"ولدت ولدي إعاقة حركية (شلل نصفي) بالجزء السفلي، لم تتركني عائلتي بل ساندتني، وأعانوني على التأهيل، وكنت أدرس بالمؤسسات الحكومية".

أزاح ذراعيه المكتفتين عن صدره، يعدد على أصابعه الإنجازات التي حصل عليها، بوجه يحلق هائمًا في سماء البطولة: "فزت بسباقات عديدة في غزة: الماراثون، والألعاب الرياضية مثل كرة السلة لذوي الإعاقة، التي كنت ضمن منتخب فلسطين، وحصلنا على المركز الثالث في البطولة العربية بلبنان عام 2019م، وإني أمارس هذه اللعبة منذ عام 2003م".

تعب لم يذهب هدرًا


 

غمرته نظرة فرح قبل المناداة عليه وتسليمه الميدالية الذهبية، أزاح الستار عن سر فوزه: "بداية السباق لم أندفع بقوة، تركت اللاعبين يندفعون، وصرت أتسلل بين الفتحات، حتى لا يتصادم الكرسي المتحرك الخاص بي بعجلات الكراسي المتحركة الأخرى، وهكذا حلقت منفردًا في المقدمة".

ماذا يمثل لك الفوز بالماراثون؟، برزت منه ضحكة عفوية: "يعني لي الكثير، إنه تعبنا ما راحش هدر".

إذن لمن تهدي هذا الفوز؟، "لا شك، لزوجتي؛ فأنا عريس منذ 12 يومًا ووعدتها بالفوز"، انفجرت منه ضحكة في الهواء، تبعها جملة عفوية مسح قبلها دموع ضحكته: "وعدتها إذا فزت حجيبلها هدية؛ فصارت تدعي بقلب ورب".

نهاية تشرين الآخر (نوفمبر)؛ زف عمر عريسًا و"انتزع هذا الحق"، وكانت العروس من غير ذوي الإعاقة، وتحقق مناه بالزواج: "هدفنا سامٍ، وعددنا لا بأس به، ولنا حق بالوطن، نقاتل لأجله حتى يكون عاليًا مرفوعًا، فحضارات الشعوب تقاس بالاهتمام بذوي الإعاقة (...) نحن ننتزع حقوقنا، حقنا بالتعليم، والزواج ... إلخ".

على الجانب الأيمن من أعلى القميص الذي يرتديه عمر ذي اللون الأصفر تلحظ اسم الناشطة الأمريكية "راشيل كوري"، التي دعستها جرافة تابعة للاحتلال الإسرائيلي سنة 2003م، حينما كانت تحاول منعها عن هدم أحد المنازل برفح، يشد قميصه من جهة اسمها، تملؤه ملامح الحزن وكلمات الفخر في آن واحدٍ: "كل عام ننظم أسبوعًا رياضيًّا باسمها، وارتديت القميص فخرًا بها"، سكت صوته وذهب ليتسلم الميدالية الذهبية ترمقه نظرات الفخر والإعجاب من ذوي الإعاقة، دوت أصوات التصفيق في أرجاء المكان بوزارة التنمية الاجتماعية في غزة، الراعية للماراثون بالتعاون مع جمعية "الإغاثة 48".

 

 

 

 

اخبار ذات صلة