فلسطين أون لاين

السلطة إلى الخلف در

المصالحة الفلسطينية مطلب أساسي ورئيس لا انفكاك عنه لتحقيق الوحدة الفلسطينية، التي تعد الدرع الحامية لمواجهة التحديات القائمة على المستوى الاستراتيجي لتصفية القضية الفلسطينية. وفي هذا السياق، إن المطلوب من التيارات السياسية داخل الساحة الفلسطينية تغليب البعد الوطني على أي حسابات أخرى، لأن الواضح أن المصالح الفئوية هي التي تفرض الموقف والرأي وكل طرف يتمسك بمواقفه وفي ظروف كهذه تبتعد بالتأكيد القضية الوطنية.

في غزة تظاهر العشرات من ممثلي الفصائل الفلسطينية أمام مقر المجلس التشريعي لتأكيد حقوقنا الوطنية ومقاومة الاحتلال وبناء الدولة الوطنية، وأكد المتحدثون ضرورة استعادة الوحدة الوطنية التي هي الخيار الاستراتيجي، وبهذه المناسبة أيضا سمعنا عن عشرات التصريحات والبيانات المنددة بالاحتلال والمؤكدة على الحق الفلسطيني. لقد استنكرت معظم الفصائل قرار السلطة باستعادة العمل بالاتفاقات الموقعة مع الاحتلال وفي مقدمتها التنسيق الأمني، ورأت في هذا تراجعًا إلى الوراء وضربة لاحتمالات المصالحة، وظل الانقسام هو المسيطر.

ومنذ سنوات طويلة والناس يطالبون باستعادة الوحدة، ولكن لا حياة لمن تنادي، ووسط هذه المعطيات يوجد حل وحيد للخروج من هذا المأزق الذي يواجهنا، ونرى فيه الاحتلال يتغطرس ويتوسع بأعمال الهدم ومصادرة الأرض وبناء المستوطنات ومحاولات التهجير، وهذا الحل هو العودة إلى قرار الشعب وموقفه، وذلك لا يكون إلا بالانتخابات والاحتكام للناس ليقولوا ماذا يريدون ومن هم الذين يمثلونهم.

ولقد سمعنا قبل عدة أشهر من يدعو إلى مثل هذه الانتخابات بلسان الرئيس أبو مازن نفسه، وتفاءل الكثيرون وبدأ البعض يستعد لخوض هذه المعركة، إلا أن القضية غابت كليًّا ولم نعد نسمع أحدًا يتحدث عنها أو يدعو إليها، وتلاشى كل ما تم إقراره في اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الذي عقد في رام الله وبيروت في آن واحد، فما الذي تغير وتبدل؟! ولماذا استدارت السلطة للخلف والتفت حول المفاوضات مع الاحتلال والرجوع إلى الاتفاقات البائسة لا سيما التنسيق الأمني الذي عدته الفصائل طعنة في ظهر المصالحة والعودة إلى الوحدة الوطنية؟!

ومن الواضح في الظروف الراهنة أن عامل الزمن لا يعمل لمصلحتنا في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال توسيع الاستيطان وترسيخ الاحتلال وتهويد القدس، إلخ، ويبدو المجتمع الدولي غير مكترث بكل هذه الانتهاكات الجسيمة، ولهذا لا بد من تأكيد أن الكرة في ملعبنا، وأن الأولوية الوطنية تقتضي المسارعة إلى تنفيذ اتفاق القاهرة، للبدء في رسم معالم الطريق في كيفية مواجهة التحديات الجسام المائلة أمامنا، وإسماع العالم مجددًا صوت فلسطين القوي الواحد والموحد المتمسك بالثوابت الوطنية.

الاحتلال يراهن على استمرار الانقسام ومحاولة تكريسه لتصفية القضية والتهرب من التزاماته الدولية؛ ومن الواجب اليوم أكثر من أي وقت مضى توجيه ضربة قاضية إلى هذه الأوهام الإسرائيلية لتعزيز الشرعية الفلسطينية، واستعادة الوجه المشرق والديمقراطي للنظام السياسي الفلسطيني، ومخاطبة العالم أجمع بصوت واحد قادر على التأثير، وقادر على إبقاء قضية شعبنا رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه أو القفز عنه.