على مدار الأعوام الماضية كانت وحدة سيرت متكال هي الوحدة الأفضل داخل الكيان الإسرائيلي، فيما يتعلق بتنفيذ أكثر العمليات خطورة وتعقيدا، فالوحدة تمتلك قدرات نوعية تمكنها من الاقتحام والسيطرة، وإحباط عمليات الاختطاف، والدخول إلى جبهات العدو، واختراق كل المستويات، وتخطي العقبات الأمنية والتكيف مع البيئة المحيطة، بل والتغلب على التحديات والأحداث المفاجئة والطارئة، ومغادرة المهام دون ترك بصمات عبر ما يسمى (العمليات النظيفة) لإفشال جهود البحث وإبقاء سرها في صندوق مغلق.
الأمر الذي أدى لتميزها حتى أوكلت إليها معظم الملفات المتعلقة بجمع المعلومات وزرع أجهزة التنصت والتجسس في عدة بلدان إضافة لمهام أخرى، لكونها الوحدة النخبوية الأبرز ذات النجاحات المتكررة، وقد عجزت منظومات أمنية كبيرة في عدة دول عن كشفها أو تعقب مسار عملها، أو حتى إفشال مهماتها الخاصة، فكانت أول عملية ميدانية تقوم بها هذه الوحدة في مايو 1962 عندما نجحت مجموعة بقيادة يعكوف طال في تنفيذ مهمة خاصة في لبنان، وفي عمليتها الثانية جرت في سوريا بعد مرور أشهر على المهمة الأولى.
وقد واصلت هذه الوحدة مهامها الخاصة دون أن يؤدي ذلك لانكشافها أو حتى تعريضها للخطر، وقد دفعها ذلك لتصعيد إرهابها ورفع مستوى عدوانها بحق القيادات الفلسطينية، لمحاولة وقف المقاومة أو خفض نشاطها، وبث الرعب في صفوفها، وإثبات قدرة (إسرائيل) على الوصول لقيادات المقاومة، فنفذت هذه الوحدة عملية (ربيع الشباب) أو ما أطلق عليه فردان عام 1973، والتي كانت أكثر دموية مستهدفة ثلاثة من قيادات منظمة أيلول الأسود وهم كمال ناصر، وكمال عدوان، وأبو يوسف النجار، والتي تمت بمشاركة إيهود باراك قائد الوحدة في حينه.
فالوحدة ذاتها قتلت أبو جهاد في منزله في تونس عام 1988 في عملية خاصة حملت اسم (تقديم هدف)، وقد كان قائد الوحدة آن ذاك موشيه يعلون والذي شارك فعليًّا في تنفيذها، في إشارة واضحة أنها كانت تسرح وتمرح في ساحات الدول وتعبث بها كيفما تشاء، فلا محرمات لديها، وقدراتها الخارقة لا تعرف المستحيل من الأهداف، فبمجرد صدور القرار من المستويات السياسية والأمنية تكون جاهزة دون تردد.
فهي لم تكتفِ بمهام القتل بل نجحت في خطف شخصيات من المقاومة أيضًا وكان منهم الشيخ عبيد زعيم حزب الله في جنوب لبنان، وذلك لدعم جهود المستوى السياسي الإسرائيلي الرامية لإطلاق سراح الجنديين رحميم الشيخ ويوسف فينك، والذين اختطفهم الحزب في منطقة الحزام الأمني في الجنوب اللبناني، وقد أطلق على العملية (الغلام الجميل) والتي تمت في 1989.
وقد استمرت هذه الوحدة في العمل في فضاء واسع من النجاح وبقيت طموحاتها تتخطى كل الحدود، إلى أن أصبحت في مواجهة مباشرة مع كتائب القسام لتكون في اختبار حقيقي، وقد كلفت الوحدة بتعقب مقاتلي كتائب القسام في منطقة رفح بعد أن نجح القسام في أغسطس 2014 بقتل عدد من جنود وحدة لواء جولاني، وتمكن من أسر الضابط (هدار غولدن) من خلال أحد الأنفاق الهجومية، فعادت أدراجها تحمل الفشل في معرفة مكان الضابط، أو حتى التكهن بمصيره، وكان انسحابها في بيئة خطرة فرضتها المقاومة كادت أن تودي بحياة هذه الوحدة أيضًا.
الأمر تكرر في جولة أخرى في معركة (حد السيف) العملية التي وضعت حدًّا للطموحات الصهيونية من وراء هذه الوحدة، وكتبت شهادة الوفاة لأبرز كوادرها، بل وحرقت أسماء وصور نخبتها بعد سنوات من العمل بعيدًا عن الأضواء، ففي عام 2018 تسللت قوة من الوحدة إلى قطاع غزة لتنفيذ مهمة خاصة تتعلق بزرع أجهزة تنصت على الشبكة السلكية الآمنة للقسام في جنوب القطاع.
لكن مجموعة من القسام بقيادة الشهيد نور بركة أوقفت القوة في منطقة عبسان بخان يونس جنوب القطاع بعد الاشتباه بها، وحين حاولت القوة الإفلات ورفضت التوجه برفقة الكتائب لأحد المواقع دار اشتباك استطاعت من خلاله المقاومة قتل قائدها وهو المدعو محمود خير الدين وهو درزي من قرية حورفيش شمال فلسطين، وأصابت آخرين من عناصر القوة في حين ارتقى القائد نور بركة ونائبه محمد القرا في هذه العملية.
وقد جاء انسحاب هذه القوة وسط أصوات الصراخ ونداءات الاستغاثة تحت قصف وتغطية نارية مهولة نفذها سلاح الجو الإسرائيلي، حتى وصفت طريقة إنقاذهم بأنها صعبة للغاية، بل مهمة كانت شبه مستحيلة، الأمر الذي دفع قائد وحدة سيرت متكال لتقديم طلب إنهاء الخدمة في إثر فشل المهمة في خان يونس وهي الخطوة الأولى التي يقدم فيها ضابط بهذا المستوى على ترك منصبه منذ 23 عامًا.
وباعتقادي فإن الصفعة القاتلة التي وجهتها كتائب القسام لهذه الوحدة جعلت هيئة الأركان العامة تعيد حساباتها، وتوقف الأوامر بشن عمليات جديدة في الوقت الراهن داخل القطاع، الأمر الذي جعل شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) في موقف لا تحسد عليه، لتبعية الوحدة لشعبة الاستخبارات والتي تتلقى أوامرها من هيئة الأركان العامة، فباتت القناعة أن كتائب القسام يمكنها أن تشكل تحديًا أمام نجاح العمليات الخاصة للوحدة.