أكد مختصان أن الاحتلال الإسرائيلي يسير سيرا دراماتيكيا خطرا نحو تغيير المعالم التاريخية في القدس المحتلة خاصة في المناطق الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك، مشيريْن إلى أن التغيير يشمل الهدم وتزوير التاريخ لتلك الآثار لإظهار المدينة المقدسة بمظهر "يهودي".
وكانت بلدية الاحتلال في القدس، هدمت أمس، درجًا قرب المقبرة اليوسفية يؤدي إلى باب الأسباط أحد أبواب المسجد الأقصى.
جرأة غير مسبوقة
وقال الأكاديمي والخبير في شؤون القدس جمال عمرو: "إن مَنْ يراقب سلوك الاحتلال يكتشف أنه لم يتجرأ منذ احتلاله لكامل القدس عام 1967م على المواقع التاريخية والوجدانية للشعب الفلسطيني إطلاقا، فكان يحسب ألف حساب لكون هذا التغيير مرفوضا فلسطينياً ومن اليونسكو بشكل قطعي، حيث توجد محاذير من المساس بتلك المواقع".
وأضاف: "لكن في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شهدنا تغولا ًغير مسبوق من الاحتلال بشكل متعمد على المواقع ذات المعنى الرمزي والتاريخي للشعب الفلسطيني"، مبيناً أن التغيير بدأ في بابيْ الخليل والعامود، حيث أقام الاحتلال ثلاثة مواقع عسكرية إسرائيلية وشمل مغارة الحليب التي غير الاحتلال اسمها لمغارة سليمان ناسباً إياها زوراً للنبي سليمان، في حين أنشأها السلطان العثماني سليمان القانوني.
وتابع عمرو: "نشهد استهدافاً لكل ما له قيمة رمزية وتاريخية فلسطينياً بشكل دراماتيكي وخطر للغاية حيث يشهد باب الأسباط ورشة عمل إسرائيلية واسعة النطاق بدأت بإغلاق سوق الغنم التاريخي".
ومضى بالقول: "الاحتلال أنشأ مساراً سياحياً جديداً في باب الأسباط الملاصق لجدار البلدة القديمة من ناحية الشرق، وهذا المسار بين مقبرتيْ اليوسفية والرحمة، ويندرج هدم درج باب الأسباط ضمن التهيئة لهذا المسار".
وأكد أن الاحتلال يقوم بعملية تغيير معالم واسعة في منطقة الأسباط حيث أنشأ مخفراً للشرطة، في حين أنشأ موانع فولاذية لمنع تنقل السيارات الفلسطينية لداخل باب الأسباط ويسمح لسيارات المستوطنين بالدخول من باب المغاربة للوصول لحائط البراق.
ولفت إلى أن الاحتلال يكرس سيطرته الأمنية على "باب الأسباط" من خلال التغييرات الجديدة ونصب مئات الكاميرات في المنطقة بحكم أن طريق "الأسباط" هي أكثر الطرق التي يستخدمها الفلسطينيون للوصول "للأقصى" لكونها الأقصر.
ولم يكتفِ الاحتلال بذلك بل نزع حجارة السور الذي بناه العثمانيون حول مقبرة الرحمة واستبدلها بحجارة أخرى، بحسب عمرو، مضيفا أن الاحتلال يقوم بهجمات ارتدادية على منطقة "الأسباط" و"باب الرحمة" بعد أن أفشلت الجماهير المقدسية مخططاته السابقة من خلال هباتها، محاولاً تنفيذ مخططاته في المنطقتين قبيل انتهاء ولاية ترامب.
ولفت في الوقت ذاته إلى أن استهداف المعالم والرموز التاريخية شمل كل مناطق القدس في عهد ترامب حيث يقيم الاحتلال مشروعاً استيطانياً على جبل المكبر في حين غير المخطط الهيكلي لشارعيْ صلاح الدين والسلطان سليمان القانوني واستولى على مكتب الاتصالات الأردنية، وحوّله لمركز شرطة في حين يحاول إخراج 1200 مواطن من بيوتهم في الشيخ جراح.
من جانبه أكد رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهجير ناصر الهدمي أن الاحتلال يسعى لتغيير ملامح القدس خاصة في المناطق القريبة من "الأقصى" عبر محو كل ما له هوية إسلامية وعربية في المكان.
وعد الهدمي خلال حديثه لـ"فلسطين"، أن ذلك يندرج في إطار مخطط الاحتلال الهادف لطمس الحقائق، مدعياً أنه يعمل على تطوير الأحياء العربية ، في حين يسعى لتهويدها وتعزيز سيطرته الأمنية بمشاريع هندسية.
وقال: تلك المشاريع التطويرية المزعومة هي اعتداء على أحقية العرب والمسلمين فيها بأن يقرروا ما يناسبهم من تطوير، حيث وضع الاحتلال يده عليها فيفعل ما يريده عبر ما تسمى "سلطة الآثار" و"وزارة السياحة" من خلال مشروعه لتطوير "أورشاليم"".
وعزا سبب هذه السيطرة الإسرائيلية المطلقة من الاحتلال وأذرعه المختلفة بما فيها بلدية الاحتلال في المدينة، لكون اتفاقية أوسلو تركت القدس لما عرفت بمفاوضات "الحل النهائي" الذي لم ولن يأتي، حسب قوله.
وأضاف: "بجانب الضوء الأخضر الأمريكي ومن الدول العربية المطبعة التي أكدت للاحتلال أن القدس عاصمة له، يفعل الاحتلال بالمدينة ما يشاء ولم تعد أي إجراءات له فيها باطلة، بما فيها تهجير السكان الذي كان سابقاً جريمة حرب".