قائمة الموقع

قنوت النازلة.. شُرع في الصلاة لرفع البلاء

2020-11-24T09:54:00+02:00

مع استمرار تسجيل مصابين جدد بفيروس كورونا في قطاع غزة، تتأكد حقيقة أن ما يمكن أن يغير الحال هو الوعي وعدم الاستهتار بالإجراءات الوقائية، واللجوء إلى الله بالدعاء والقنوت في الصلاة المفروضة، فما أهمية ذلك مع اشتداد الابتلاء؟

العضو الاستشاري في رابطة علماء فلسطين الداعية أحمد زمارة يشير إلى أن أزمة كورونا امتدت واتسع انتشارها، فهذه الجائحة من النوازل التي حلت بديار المسلمين، والمسلم في النوازل يفزع إلى ربه ويلجأ إليه، فهو يدرك أنه لا كاشف للكرب إلا الله سبحانه وتعالى الذي قال: " أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ"، (النمل:62).

ويوضح أن الآية السابقة بينت أن المضطر ومن نزلت به البلايا مطلوب منه أن يدعو مولاه، ويلجأ إليه، ويضع ما به من بلايا ومحن بين يديه، لقوله تعالى: "قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْب"، (الأنعام، 63)

ويقول زمارة لصحيفة "فلسطين": "لهذا نحن نرى أن هذه الجائحة نزلت بكل العالم وكل مكوناته وقفت عاجزة أمامها، فكان لا بد للمؤمن أن يأوي إلى ركن شديد، وأن يدعو مولاه فبيده سبحانه الفرج ويكشف البلوى ويدفع النقمة بالدعاء في كل الأحوال المنشط والمكره والعسر واليسر" .

ويوضح زمارة أن النبي صلى الله عليه وسلم يحث على أن نسأل الله تعالى كل حاجتنا، فعن أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا، حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ".

ويضيف: "الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل: عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ".

ويلفت زمارة إلى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يستنصر به على عدوه، وكان أعظم جنده، وكان يقول لأصحابه: "لستم تُنصرون بكثرة، وإنما تُنصرون من السماء"، وكان يقول: "إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن هم الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء فإن الإجابة معه".

ويذكر أنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الدُّعَاءِ"، ومن السنة أن يتوجه الناس بمجموعهم إلى ربهم بالتضرع والدعاء عسى الله أن يكشف الكرب وهو ما عليه أهل العلم وهو ما يسمونه بالقنوت في الصلوات قالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: "الْقُنُوتُ مَسْنُونٌ عِنْدَ النَّوَازِلِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رضي الله عنهم".

ويوجه زمارة دعوته للأئمة والدعاة أن يتوجهوا إلى الله بالدعاء في المساجد وذلك بعد القيام من ركوع الركعة الأخيرة في صلاة الفريضة، مع مراعاة عدم الإطالة عملاً بالحالة الصحية للبلاد والاقتصار على الدعاء الخاص بالنازلة والمرض.

"حصار ظالم"

بدوره يقول أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية أ.د. سلمان نصر الداية: "من وسط الشدائد لا بد من تذكير الصابرين بسنة قوية الأثر، وسريعة المفعول، سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الكروب، ومضى عليها أصحابه رضي الله عنهم، ومن جاء بعدهم، ما يعني اتباع هديه على مدى الأزمان والدهور".

ويشير في منشور على صفحته في فيسبوك، إلى "الحصار الظالم"، وما نتج عنه من قلة فرص العمل، وتنوع في الأوجاع، ونقص في الماء والدواء والكهرباء، وكساد في الزروع والبضائع وغيرها.

ويوضح الداية أنه يشرع القنوت عند النوازل على مذهب جماهير أهل العلم، قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: "الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إِنْ نَزَلَتْ نَازِلَةٌ، كَعَدُوٍّ، وَقَحْطٍ، وَوَبَاءٍ، وَعَطَشٍ، وَضَرَرٍ ظَاهِرٍ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ قَنَتُوا فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَإِلَّا فَلَا".

وينبه إلى أنه قد ثبتت سنيتها بأحاديث كثير وردت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا يَلْعَنُ رِعْلًا، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ"، وغيرها الكثير من الأحاديث.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ، يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ: وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ".

ويضيف: "وهو ما ثبت بفعل النبي عليه الصلاة والسلام في نازلة قتل القراء في بئر معونة، فإنه قنت في الصلوات الخمس كلها شهرًا كاملًا، وهو ما استنبطه العلماء من فعله، وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ رحمه الله: (إِنَّ الْقُنُوتَ مُخْتَصٌّ بِالنَّوَازِلِ، وَإِنَّهُ يَنْبَغِي عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ أَنْ لَا تُخَصَّ بِهِ صَلَاةٌ دُونَ صَلَاةٍ).

ويشير إلى أن بعضهم قال يقنت عند النازلة في الصلوات التي يجتمع لها المسلمون كالخمس والجمعة والعيدين وقيام رمضان، وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ رحمه الله قَالَ: "الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ، وَالْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَكُلِّ صَلَاةٍ يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ".

ويوضح الداية أن الحكمة من جعل القنوت في الاعتدال لا في السجود مع أن الأخير مظنة الإجابة كما ثبت "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ"، وثبوت الأمر بالدعاء فيه، أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين.

ويلفت إلى أن قنوت النازلة غير مشرع في جميع الأوقات بل إذا نزلت بالمسلمين نازلة من قحط وغلبة وغير ذلك، فَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ "لَا يَقْنُتُ إِلَّا إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ أَوْ دَعَا عَلَى قَوْمٍ".

ويكمل الداية حديثه بأنه لا بد من قصر الدعاء على موضوع النازلة، ويحسن بالإمام أن يدعو في كل قنوت بالذي يناسبه، كَمَا دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبَائِلَ بَنِي سُلَيْمٍ؛ قَتَلُوا الْقُرَّاءَ، فَقَدْ دَعَا عَلَيْهِمْ بِاَلَّذِي يُنَاسِبُ مَقْصُودَهُ، ثُمَّ لَمَّا قَنَتَ يَدْعُو لِلْمُسْتَضْعَفَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ دَعَا بِدُعَاءٍ يُنَاسِبُ مَقْصُودَهُ.

 

اخبار ذات صلة