مسافة قصيرة تفصل بين المسرب المخصص لمركبات المستوطنين الذين يجدون كل التسهيلات، وذاك المخصص لسيارات الفلسطينيين الذين يضطرون لانتظار الكثير من الوقت على حواجز جيش الاحتلال الإسرائيلي جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة.
رحلة الانتظار أول فصول المعاناة التي يتكبدها المسافر من مدينة نابلس نحو المدن الفلسطينية الأخرى في الجنوب أو حتى القرى التي تتبع لها.
وتتجلى عنصرية الاحتلال في هذا الفصل في ممارسة كل أشكال الإذلال والقهر بحق المسافرين عبر احتجازهم والتضييق عليهم والتدقيق بهوياتهم الشخصية، وما يرافق ذلك من مشاهد لا تليق بالإنسانية.
يصف فادي عمران الذي يضطر للسفر إلى رام الله للعمل هناك، مشهد سفره اليومي في حديث لصحيفة "فلسطين" بأنه "قطعة من العذاب"، يقول: "قد يكون الحاجز في أغلب الأيام على ما يرام، لكن يوما واحدا من التنغيص كفيل بأن يحيل كل تلك الأيام إلى كابوس يلاحقنا حتى في أحلامنا".
وأضاف "نخرج من نابلس مبكرين كي نصل إلى أماكن عملنا برام الله في الوقت المطلوب، لكن جنود الاحتلال يعيشون هناك نشوة وشهوة الإذلال لنا، لنجدهم بسبب وبدون سبب يقومون باحتجازنا فترات طويلة، بعد مصادرة بطاقاتنا الشخصية واحتجاز المركبات التي نستقلها".
و"قد تمر ساعة من الوقت ليأتي بعدها أحد الجنود بكل برود أعصاب ولامبالاة ليعطينا بطاقاتنا دون أي اكتراث، وكأن شيئا لم يكن"، كما يضيف عمران.
ورغم برودة الشتاء وحر الصيف إلا أن جنود الاحتلال يتحينون الفرص لاختيار هذين التوقيتين لممارسة مزيد من التضييق على المواطنين والمسافرين العابرين لحاجزي حوارة وزعترة كما يقول سليم الأزعر من بلدة قبلان، الذي يضطر يوميا لعبور الحاجزين عدة مرات كونه يعمل سائقا لمركبة عمومية.
ويضيف الأزعر في حديث لـ"فلسطين": "يتناوب جنود الاحتلال في كثير من الأيام الدور فيما يتعلق بتأخير المواطنين وإذلالهم والتنكيل بهم، في الوقت الذي يجد المستوطنون الحرية الكاملة بالحركة دون أي إعاقات".
وعلى مر السنوات الأخيرة شهد الحاجزان العشرات من عمليات القتل والإعدام التي تتم بدم بارد، كان آخرها إعدام الشاب بلال رواجبة على حاجز حوارة في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
وأشار الأزعر إلى أنه رغم تحصن جنود الاحتلال المتواجدين على الحاجزين وراء جدر إسمنتية وأبراج محصنة إلا أن شغف القتل لكل ما هو فلسطيني جعل العشرات من المواطنين يرتقون، بزعم الجنود الدفاع عن أنفسهم تارة، والخطأ في التقدير تارة ثانية.
ويوجد في الضفة الغربية أكثر من 700 حاجز عسكري ما بين "ثابت وطيار"، تعيق حركة المواطنين وتنغص حياة المسافرين عبرها.
وإمعانا من الاحتلال في سياساته الإجرامية على حساب المواطن الفلسطيني، فإن المنطقة التي تفصل بين حاجزي حوارة وزعترة ستشهد تشييد طريق استيطاني ضخم مخصص لسير مركبات المستوطنين.
ويقول مسؤول ملف الاستيطان في محافظة نابلس غسان دغلس، إنه في سبيل تحقيق مخطط الطريق الاستيطاني صادرت حكومة الاحتلال 406 دونمات عام 2019 لصالح شق هذا الشارع من أراضي سبع قرى وبلدات هي حوارة وبيتا وبورين وعورتا ويتما والساوية وياسوف، وسيؤدي ذلك إلى اقتلاع أكثر من 3 آلاف شجرة مثمرة.
ويعد هذا الطريق من أخطر المشاريع الاستيطانية؛ لأنه سيعزز الاستيطان وسيحول مستوطنات جنوب نابلس من مستوطنات معزولة إلى مدن في جسد الضفة الغربية، وسيعدم إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا.