استطاعت كتائب القسام فرض شروطها على العدو الإسرائيلي ونجحت في إتمام صفقة وفاء الأحرار في 11 أكتوبر2011، حيث أفرج بموجبها عن (1027 أسيرًا)، كان على رأسهم الأسير البطل نائل البرغوثي، والذي رفضت "إسرائيل" الإفراج عنه مرارًا ومارست ضغوطًا لاستبعاده من كشوف الصفقة مع آخرين من أبطال المقاومة، لكن فريق التفاوض بقيادة الشهيد أحمد الجعبري أرغم العدو على الموافقة في أكثر المفاوضات تعقيدا وخطورة، لقناعة الكتائب أن الإفراج عن الأسير البرغوثي وزملائه من أصحاب الأحكام العالية يمثل لمسة وفاء لهم ولأسرهم، ويشكل زخما استراتيجيا لهذه الصفقة، ويؤكد مصداقية قرار المقاومة القاضي بتحرير هؤلاء القادة الأبطال، ويفرض واقعا جديدا في مسار التفاوض من شأنه كسر الخطوط الحمراء التي حاولت "إسرائيل" فرضها في أثناء جلسات التفاوض غير المباشر بوساطة مصرية.
لكن وبعد الإفراج عن الأسير البرغوثي لم تتشكل (بيئة حامية) في الضفة الفلسطينية لهذا الأسير وإخوانه، ما أدى لاعتقاله بعد مدة وجيزة من الإفراج عنه، فقد أعادت قوات الاحتلال الإسرائيلية اعتقاله في 8 يونيو 2014 مع إعادة حكمه القديم، الأمر نفسه تكرر مع أغلب الأسرى الذين أفرج عنهم بموجب الصفقة وبقوا في الضفة الفلسطينية ولم يتم إبعادهم في حينه.
فكان هؤلاء الأبطال عرضة للملاحقة والاعتقال من جديد دون أن تجد "إسرائيل" ما يلجمها في هذه المناطق، في ظل تقاعس قيادة السلطة عن الاضطلاع بدورها الوطني تجاه هؤلاء الأسرى، وتهربها عن القيام بأي دور سياسي من شأنه ممارسة الضغط على الاحتلال إقليميًّا ودوليًّا، وتخلي المنظومة الأمنية التابعة للسلطة عن دورها ومسؤولياتها الوطنية والأخلاقية في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي لمنع اعتقال محرري الصفقة.
والأدهى من ذلك ذهاب السلطة نحو منع الهبات الشعبية المتضامنة معهم ومع ذويهم وعدم السماح بأي نشاط مجتمعي لحمايتهم داخل القرى والمدن، والكارثة الكبرى أن يأتي اعتقالهم في سياق التفاهمات الأمنية الحاصلة، في أسوأ صورة يمارسها ضابط فلسطيني وهو يقوم بدور وظيفي مشبوه ومنحرف عن الإطار الوطني، وقد اختزل دوره في الجلوس داخل المقرات غير مكترث بتوغل واجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي.
فقد تمت تعبئة هذه الأجهزة بعقيدة فاسدة تتفهم مبدأ التعاون مع الاحتلال، وتتقبل المهمات التي توكل إليها، ومنها تعقب نشاط وحركة الأسرى المحررين، بذريعة المحافظة على الأمن والاستقرار، وفي النهاية تصل هذه التقارير للأجهزة الأمنية الإسرائيلية لتساهم في نجاح مهام الاعتقال أو التصفية.
في حين بقي الوسيط العربي غير قادر على توفير الضمانات التي ألزم نفسه إياها أمام الأطراف التي وقعت الصفقة، وبقي يمارس دورًا أدنى من المستوى السياسي المطلوب، الأمر الذي شجع الاحتلال على الاستمرار في اعتقالهم، ودفعه لممارسة إرهابه المنظم عبر إعادة الأحكام القديمة دون أدنى مبرر لذلك، لكون الاحتلال لم يجد ضغوطًا حقيقية أو حراكًا فعليًّا من السلطة أو الوسطاء أو الأطراف الدولية لدفعه نحو الالتزام باشتراطات الصفقة.
وهذا ما يجعل كتائب القسام تفرض شروطًا مسبقة قبل الحديث في أي صفقة قادمة، ومنها الإفراج الفوري عن جميع الأسرى الذين جرى إعادة اعتقالهم، حتى تدرك "إسرائيل" أن المقاومة لا تترك أبناءها في السجون، وأنها قادرة على حماية هذا الاتفاق بطريقتها الخاصة التي جعلت العدو يستجدي الوسطاء لفتح باب التفاوض في ملف الجنود الأسرى والذي اصطدم بهذا الشرط في كل مرة، ففشل العدو في تخطي قضية الأسرى المحررين.
وباعتقادي فإن قناعة الكتائب لن تتغير في هذا الشأن وسيبقى هذا الصندوق مغلقًا تمامًا ما لم تستجب القيادة الإسرائيلية للشروط المسبقة للمقاومة، فحين يعود الأسرى المحررين إلى بيوتهم فإن قيادة المقاومة ستسمح بالحديث في السطر الأول من هذه الصفقة، واقع يفصح عن المسؤولية الوطنية الكبيرة التي يتمتع بها قادة الكتائب في حرصهم الدائم على تحطيم قيد السجان الإسرائيلي وإطلاق سراح أسرانا الأبطال.