بات من الضروري بعد إعلان السلطة نيتها عودة العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي واستئناف التنسيق الأمني، أن تمارس كل القوى الوطنية دورا فاعلا وجديا لمواجهة هذا القرار الخطر، الذي تتخذه السلطة لاسترضاء الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن حتى قبل تسلمه مقاليد الحكم، وتحرص على تنفيذه لإنقاذ مشروعها الاستسلامي، والهرب من استحقاقات الحوار الوطني، والحصول على صك الغفران الإسرائيلي للبقاء على قيد الحياة السياسية.
فالسلطة مارست دورا قذرا في استغلال الفترة السابقة لتمرير مسرحية جديدة عبر إحياء مسار جديد للحوار، لكن نيتها كانت تتجه نحو إشغال الساحة الفلسطينية، وخداع الفصائل، وحرق مزيد من الوقت، ومغازلة الأمريكي والإسرائيلي؛ للإشارة لحالة الحرد الرخيصة التي تشير بها من بعيد، وكأنها تقول لهم إن لم تعيدوا الاعتبار لي وتفتحوا أمامي فرصًا جديدة فإنني سأتقارب مع حماس وأنفذ مصالحة تربك حساباتكم، فكان لها ما أرادت عبر ورقة سخيفة يقال إنها تعهد إسرائيلي بالتزام الاتفاقيات وغيرها.
وبالطبع السلطة كانت تتمنع ظاهريًّا عن العلاقة والتنسيق وهي راغبة في بقائها، فقد أوقفت التنسيق شكلًا لكن ظل باقيًا في المضمون، ولا أريد من الطبالين، وعبيد الصراف، أو المنظرين المحترفين والمعدين لهذا الغرض أن يستهجنوا ما أقول، فقد نفذت عشرات المهمات الأمنية المشتركة بين أجهزة السلطة وبين أجهزة الاحتلال بأذرعها المختلفة، وحتى الاتصالات بقت مستقرة سواء على صعيد العلاقات الشخصية، أو على صعيد العمل الأمني المشترك، فالاعتقالات طالت كل مناطق الضفة، والاستدعاءات كانت بوتيرة مرتفعة مما يدلل على كذب موقف هذه القيادة ويكشف عن عري موقفها الشاذ.
لكن الغريب أن بعض كوادر هذه السلطة يخرج علينا فرحا وكأنه يزف بشرى النصر المبين، مبتهجا بأن السلطة استطاعت تحقيق نصر في مواجهة "إسرائيل"، عبر حصولها على ورقة إسرائيلية تشمل تعهدًا خطيًّا وهذه هي المرة الأولى التي تتعهد فيها "إسرائيل" كتابيًّا بالالتزام تجاه السلطة، موقف يلزم السلطة تقديم توضيحات بعد هذه الفضيحة المدوية، فكانت تصريحات النصر والبشريات أعظم فظاظة وأكثر وقاحة من الإعلان عن القرار ذاته، فالرجل بدى ملهوفا وهو يتحدث بلغة العاشق الولهان، فقد تنعم طويلا هو وزملاؤه بالسخاء الإسرائيلي وكرم الضيافة في حضرة المباحثات، لذلك يعز عليهم وقوع أي فراق.
نعم وبكل ألم نجحت "إسرائيل" في صناعة فريق من (المستوطنين الجدد)، الذين يحافظون على جنسياتهم الوطنية ليكونوا سفراء للدولة العبرية، والتي تقوت بجهود المخلصين لها من العرب وبعض الفلسطينيين، والذين انسلخوا عن عروبتهم ووطنيتهم، وأضلوا الطريق وكرهوا الثوابت وكفروا بالمقاومة، ورغبوا في اجتثاثها والقضاء عليها، قومٌ غرباء عن ديني وعن وطني، تسلقوا ديارنا فقتلوا ودمروا، وحاصروا، وعاقبوا، كي يسقط الحصن، ويستسلم الجند.
لذلك فإننا جميعًا يجب أن نتدارك الخطر وأن نسعى جاهدين لإفشال قرار السلطة، سواء بعودة المفاوضات أو التنسيق الأمني، ونعلن وبكل وضوح تجريمنا لكل أشكال العلاقة مع الاحتلال، ليس هذا فحسب بل العمل وطنيًّا على تشكيل هيئة وطنية من قطاع غزة والضفة والخارج لممارسة ضغوط إضافية على قيادة السلطة، وثنيها عن هذا الموقف، من خلال تفعيل كل أدوات الضغط إعلاميًّا كان أو سياسيًّا أو ميدانيًّا، إضافة إلى تصعيد كل أشكال المقاومة في الضفة في مواجهة الاحتلال، لكون هذه الساحة هي الميدان الفعلي للتنسيق الأمني، والعمل على وقف أي لقاء أو اتصالات مع أي شخصيات من السلطة تعد التنسيق ذا قيمة، ودعوات الفصائل لتقديم مواقف عملية تجاه مع أعلنته قيادة السلطة على أن يتجاوز ذلك دور الشجب والاستنكار، وصولًا لتنفيذ خطوات عاجلة للإنقاذ الوطني.
لأن إسقاط التنسيق الأمني ضرورة وطنية بل أولوية تتقدم على كل الملفات، في ظل ما سببه هذا الملف من انتكاسات خطِرة وعراقيل كبيرة في وجه جهود المصالحة فكان معطلًا ومفجرًا لكل جلسات الحوار، لتمسك قيادة السلطة به وعدم رغبتها في تغيير مواقفها تجاهه، هذا إضافة لما يحمل هذا الملف من مخاطر وطنية بالغت الخطورة على الحقوق والثوابت الوطنية، لكونه يتناقض تماما مع مشروعنا التحرري الذي يجرم العلاقة مع الاحتلال، ويتسبب بإضعاف المقاومة وملاحقة كوادرها وأنشطتها لأغراض ومصالح مشبوهة تخدم الاحتلال، إضافةً إلى كونه ذريعة وجسرًا مرت من خلاله كل حملات التطبيع، لقناعة العرب أنهم يمارسون نفس الدور الذي تمارسه السلطة.