خرجت الوثيقة السياسية الجديدة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إلى النور أمس، في ظل التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، فيما يرى مراقبون أن الوثيقة الجديدة لحماس فيها "صياغات جديدة وليست بالضرورة مواقف جديدة"، وأن الحركة تخاطب من خلالها "المجتمع الدولي بلغته".
صياغات جديدة
ويرى المفكر والكاتب المصري، فهمي هويدي، أن الوثيقة "فيها صياغات جديدة وليست بالضرورة مواقف جديدة"، مبيناً فيما يتعلق بتعريف حماس أنها حركة تحرر وطني بمرجعية إسلامية، أنها تخاطب بذلك "المجتمع الدولي بلغة خالية من الالتباس، وطالما أن حماس تشتغل بالسياسة فهي تتكلم بلغة السياسة".
ويقول هويدي لصحيفة "فلسطين": "هناك إدارة أمريكية وموقف عربي الآن مقبل على مرحلة جديدة أو يحاولون أن يدخلوا على الخط في القضية الفلسطينية فيصح أن حماس تقدم نفسها بوجه سياسي تراعي فيه محاولة ليس القبول ولكن التفاعل مع التحولات السياسية وفي نفس الوقت التمسك بمواقفها الأساسية".
ويعتقد أن حركة حماس تخاطب بهذه الوثيقة المجتمع الدولي بالدرجة الأولى، وحتى تتفاعل معه تخاطبه بلغته، مؤكداً في نفس الوقت أن هذه الوثيقة لا تلغي ما قبلها، أي الميثاق الذي نشرته الحركة عام 1988.
وعن قول المتحدث باسم رئيس حكومة الاحتلال دافيد كيز: "حماس تحاول خداع العالم" بالوثيقة السياسية الجديدة، يوضح هويدي أن سلطات الاحتلال من الطبيعي أنها لن تقبل الوثيقة، مشيرًا إلى أن (إسرائيل) هي من خبراء خداع العالم.
ويرى هويدي، أن الموقف العربي بات لا يتحدث عما يعرف بحدود 1967، بل عن التطبيع أولا ثم الكلام في الموضوع الفلسطيني.
وفيما يتعلق بالوحدة الفلسطينية، يقول: "الوحدة الوطنية والداخل ملف طويل عريض، وأظن أن أبا مازن (رئيس السلطة محمود عباس) لا يستطيع أن يقدم على خطوة التفاعل مع حماس أو القبول بتحقيق الوحدة الوطنية لأن حساباته الإسرائيلية أكثر تعقيدا من أن تسمح له بهذا".
"لا تفريط ولا تنازل"
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف: إن التعريف الذي صدر في وثيقة حماس أنها حركة وطنية فلسطينية ذات مرجعية إسلامية، وهي لم تتخلَ عن الفكر والأيديولوجيا الإسلامية، وهي تتوافق مع كل الحركات الإسلامية في أن مرجعيتها هي الإسلام: القرآن الكريم، والسنة النبوية.
ويضيف الصواف، لصحيفة "فلسطين": "هذا أمر واضح لدى حركة حماس، ثم إن هذا التعريف يؤكد لمن يحاولون دائما إلصاق أن حماس هي إخوان مسلمين، وهي كذلك طبعا، لكن حماس ليست لديها أي ارتباط لا تنظيمي ولا إداري مع أي تنظيم من تنظيمات الإخوان المسلمين في الخارج".
وبشأن الدولة الفلسطينية، يوضح أن الوثيقة، تؤكد أنه "لا تفريط ولا تنازل عن سنتيمتر من فلسطين، وحددت حدود فلسطين في هذه الوثيقة، أن فلسطين من بحرها إلى نهرها، ومن رأس الناقورة إلى أم الرشراش"، مبينا أن الحديث عن دولة فلسطينية على حدود عام 1967 هو موقف متوافق عليه بين الكل الفلسطيني بعدما كان هناك وثيقة الوفاق الوطني.
ويشير إلى أن من يزعم بأن حماس تتنازل من خلال هذه الوثيقة، فهذا الكلام "مردود عليه"، مفسرا: "جاءت هذه الوثيقة بكلمات محكمة ولا تحمل التأويل بمعنى أن كل من يريد أن يتعرف على حماس لا بد وأن يقرأ هذه الوثيقة".
وينوه إلى أن الجمل الواردة في الوثيقة لا تحمل معنيين، بل جاءت مباشرة ذات مضامين مصاغة بحكمة كبيرة، لأن هذه الوثيقة عرضت على أساتذة لغة وفقهاء قانونيين وسياسيين، ومعنى ذلك أنها تُعرض وهي كاملة الأوصاف كما تريد حركة حماس.
وبشأن اللاجئين، يؤكد الصواف أن حق عودة اللاجئين إلى أرض فلسطين كاملة، هو جزء مهم من فكر وثوابت حماس، مبيناً أن عودة اللاجئين هي من القضايا الأساسية التي تؤمن بها الحركة.
وعن مدينة القدس، يقول: "القدس كل القدس شرقها وغربها وشمالها وجنوبها أرض فلسطينية لا تقبل القسمة"، منبها إلى أن الحديث عن دولة فلسطينية على حدود عام 1967 كصيغة وطنية توافقية، جاء دون الاعتراف بالاحتلال.
ويتابع: "هذا المبدأ التوافقي الذي توافقت عليه حماس مع الكل الفلسطيني هو نقطة البداية التي ينطلق فيها الشعب الفلسطيني نحو تحرير بقية الأرض".
ويلفت الصواف، إلى أن حماس "تعادي الاحتلال الصهيوني ولا تعادي اليهود كيهود كأصحاب ديانة، وهذا الكلام ليس جديدا، فمن يستمع لقيادات حماس ممن استشهدوا على سبيل المثال الشيخ أحمد ياسين عندما سئل عن ذلك قال: نحن لا نعادي اليهود لأنهم يهود، بل نحن نعادي ونقاتل المحتل وضرب مثالاً قال لو أن أخي جاء وطردني من بيتي وجلس فيه سأقاتله وهو أخي وليس له علاقة بكونه يهوديا أو مسيحيا أو مسلما".
وشدد على أن حماس تحترم "كل الديانات وهذه مسألة مؤكد عليها في الميثاق الأول وفي أدبيات قيادات حركة حماس ومؤكد عليها في هذه الوثيقة".
وفيما يخص العلاقات العربية، يقول المحلل السياسي: إن حماس أكدت "أنها لا تتدخل في شؤون أي دولة عربية وهي تحترم كل الدول العربية وتمد يدها للجميع وتقول: إن بعدها العربي بعد ضروري وحاضر".
ودوليًّا، بحسب الصواف، فإن حماس تقول للجميع إنها حركة تحرر وطني، وكل القوانين الدولية تقول إن من حق حركة حماس الدفاع عن شعبها ضد المحتل، متسائلا: "أليس هذا موجودا في القوانين الدولية الإنسانية؟ وحماس تؤكد عليه وتلتزم به، طالما أن هذا المحتل احتل أرضي لا بد من مقاومته وقتاله حتى يترك هذه الأرض المحتلة".
وبشأن منظمة التحرير، يبين أن وثيقة حماس تقول إن منظمة التحرير هي البيت الذي يضم في داخله الكل الفلسطيني ولكن هذه المنظمة بحاجة إلى إعادة بناء، وإعادة انتخاب مجلسها الوطني وهذا ما جاء في لقاءات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني في بيروت.
ووفقًا للصواف، فحماس تقول: إن منظمة التحرير هي الجامع للكل الفلسطيني، وأن منظمة التحرير لا بد من إعادة إحيائها حتى تعود لما كانت عليه، متابعا: "الذي يدقق في هذه الوثيقة يرى أجزاء من ميثاق منظمة التحرير عندما أُعلن عن تأسيسها، ويرى أجزاء أيضا من ميثاق حركة فتح التي كانت تطالب بالدولة الفلسطينية من بحرها إلى نهرها، وحماس تريد للكل أن يعود إلى الثوابت التي انطلق بها وهي تؤكد عليها ولا زالت تتمسك بها".
وعن العلاقة بين الوثيقة وميثاق عام 1988، يوضح أن الميثاق واكب مرحلة هي غاية في الأهمية وهي مرحلة الانطلاق ووضع ثوابت ومحددات للحركة وقياداتها أمام الجميع، والوثيقة الجديدة لم تتناقض مع مبادئ الحركة لا في الميثاق ولا في المُعْلَن من قبل قياداتها.
وينوه إلى أن "الجديد هو الصياغة، فالوثيقة تصاغ بطريقة غاية في التوضيح تؤكد المؤكد وتضيف على آليات تحقيق هذا المؤكد، لذلك الوثيقة من ناحية جوهرية صحيحة لا تختلف في مبادئها عن الميثاق ولكن في صياغتها وفي الحديث عنها وفي التفاصيل المتعددة بمعنى أن الميثاق كان شاملا والوثيقة الآن تفصيلية مع التأكيد على الثوابت التي انطلقت منها حماس".
"منهج عقلاني"
أما الكاتب والمحلل السياسي خالد عمايرة، فيرى أن الوثيقة جاءت "لإزالة سوء الفهم" الذي تسببت به دعاية متعددة المصادر ضد حركة حماس، وعلى سبيل المثال سلطات الاحتلال تزعم أن حماس ضد اليهود، ولكن هذا الكلام دعائي، وجزء من الحرب النفسية التي يشنها الاحتلال على الشعب الفلسطيني.
ويقول عمايرة، لصحيفة "فلسطين": إن حماس هي "ضد الصهاينة لأنهم محتلون وظالمون مغتصبون"، مشيرًا إلى أن الشعب الفلسطيني قوتل واغتصبت أرضه وشرد منها وبات نصفه على الأقل لاجئين، إما داخل فلسطين كما هو الحال في المخيمات في قطاع غزة والضفة الغربية، أو في الشتات كما في لبنان وسوريا والأردن ومناطق أخرى.
ويشدد على أن حماس "في وثيقتها الجديدة تؤكد على أمور بديهية جدًا من قبيل التوضيح وليس من قبل التعديل، فالأمر لا يتعلق بتغيير في منهج الحركة، وإنما بتوضيح هذا المنهج، وهذا المنهج عقلاني ومنطقي".