16 عاما مرّت على اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ولا تزال المعلومات المتوافرة حول قاتله "طي الكتمان"، رغم تشكيل عدة لجان من رئيس السلطة محمود عباس للتحقيق في سبب الوفاة الذي يقول كثيرون إن "القاتل معروف ولا يزال طليقا".
ووافت عرفات المنية بعد فترة من وعكة صحية ألمت به في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، وأُثيرت شبهات بإمكان تعرضه للتسمم، غير أن ملفه الصحي في المستشفى الفرنسي العسكري الذي رقد فيه ترك الكثير من الغموض بشأن أسباب وفاته.
وكان من أبرز لجان التحقيق في ملابسات الحادثة تلك التي ترأسها اللواء توفيق الطيراوي، حيث لم ترَ نتائجها النور حتى اليوم، رغم تلميحات من بعض قادة السلطة عن توصلهم للقاتل المباشر، وسط مطالبات شعبية وجماهيرية بضرورة الكشف عن المتورطين في الجريمة.
ومما أثار جدلا في الشارع الفلسطيني ما ورد على لسان رئيس السلطة محمود عباس حينما قال: إنه يعلم من قتل عرفات، لكنه دعا إلى انتظار لجنة التحقيق المكلفة بهذه القضية للكشف عن المتورطين.
وأثار تحقيق أعدته قناة الجزيرة الفضائية، بعد سنوات من وفاته شكوكا بشأن أسباب وفاة عرفات، وإمكانية تعرضه لإشعاعات "البلوتونيوم"، ما دعا السلطة إلى فتح تحقيق جديد لهذا الغرض.
وكان محققون فرنسيون قد استخرجوا رفات الراحل عرفات في 27 نوفمبر 2012، في محاولة لمعرفة سبب وفاته، إلا أن لغز ذلك لم يُحل بعد تعدد الفرضيات.
والقضاة الفرنسيون المكلفون بالتحقيق في "الاغتيال" والذي بدأ بطلب أرملته سهى عرفات، أعلنوا إغلاق الملف وقد استأنفت عليه.
لكن الخبراء المكلفين من قبل القضاة الفرنسيين استبعدوا مرتين فرضية التسمم. وقال خبراء روس إن وفاة عرفات هي "موت طبيعي". وعلى العكس من ذلك، قال خبراء سويسريون استشارتهم أرملة عرفات أن نتائجهم "تدعم فرضية التسمم بالبلوتونيوم".
قيادات في السلطة
مدير أمن جهاز مخابرات السلطة بالضفة الغربية المحتلة سابقا، فهمي شبانة، وجه أصابع الاتهام إلى قيادات بارزة في السلطة، في ضلوعهم بشكل مباشر بالمساهمة في اغتيال "عرفات".
وقال شبانة خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، إن المتورطين في اغتيال عرفات "معروفون"، وهم من أعطوا القرار بذلك، مستبعدا الإعلان عن نتائج التحقيق.
وبين أن خيوط الاغتيال ومرتكبيه ستبقى غامضة، سيما أن الذي أعاق فتح ملف التحقيق هو عباس، مضيفا "لن تجرؤ أي لجنة على الإعلان عن المتورطين، لأن لها مصالح مع عباس".
وكان عباس قد اتهم كل خصومه بـ"الجاسوسية"، وكال أبشع الشتائم في حقهم.
عباس أكد عقب ذلك أنه لن ينهي حياته "خائنا"، وأنه لا يخشى من أن تقتله (إسرائيل). ويبدو من آخر جملة له أنه يلمح لاستعداده مواجهة المصير ذاته الذي واجهه الراحل عرفات، محاولا تشبيه نفسه به في الإصرار والعناد في المواجهة، فهل في الحقيقة ثمة شبه بينهما؟!
المستشار السياسي للراحل عرفات، بسام أبو شريف، قال إن عباس كان قد أعلن في وقت سابق أنه تعرّف على المتورطين في اغتيال عرفات والأداة المستخدمة في الاغتيال، لكن دون الإفصاح العلني.
ورأى أبو شريف خلال حديث خاص بـ"فلسطين"، أن صمت السلطة ولجنة التحقيق عن إعلان القاتل يثير الشك ويدلل على عدم وجود رغبة لديهما بالكشف عن هويته "وقد يشي ذلك بإخفاء أشياء أخرى عن الحادثة".
وانتقد صمت اللجنة المختصة في الكشف عن القاتل الحقيقي لعرفات، مطالبا إياها بضرورة إعطاء النتائج التي توصلت إليها، وعرضها أمام الشعب الفلسطيني.
واعتبر الإقدام على نبش قبر عرفات لفحص السم الموجود في جسده "ذرا للرماد في العيون" لأنه لا يبقى أي آثار للسم بعد مضي 7 سنوات.
وبحسب أبو شريف، فإن الذي أعطى الضوء الأخضر لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي آنذاك أرئيل شارون، هو الرئيس الأمريكي السابق جورش بوش.
وذكر أنه كان يمتلك معلومات قبل اغتيال "عرفات" حول نوايا قتله من مصدر موثوق بالنسبة له، وهو ما دفعه لإبلاغ "خطي" لعرفات بذلك.
وأضاف أنه "كان هناك خطط أمريكية وإسرائيلية لاغتيال عرفات، حيث تم ذلك، وجاؤوا بالبديل الذي تعهد بوقف العمل العسكري المقاوم"، مرجحا أن يكون هناك عميل من الشخصيات المقربة من عرفات تواصل مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه).
ولم يستبعد أن يكون هدف السلطة من إخفاء اسم القاتل، خشيتها من ردة فعل الشارع الفلسطيني بعد معرفته، لا تستطيع السيطرة عليها.