فلسطين أون لاين

ذكريات الطفولة الدافئة

...
آلاء مهنا

حالياً أفكر كثيراً كيف كنت أقضي أيامي في طفولتي، وفي الأشياء التي كانت تُسحرني وتجعلني أتأمل فيها لساعات لأعرف عنها الكثير، أصبحت الآن شيئا عاديا وباردا وغير جذاب! أبحث الآن عن السبب الذي أوصلني لهذه الحالة، ولم لا أفكر مثلما كنت صغيرة.

فلعبتي المفضلة كانت في صغري أن أتأمل كيف خُلقت الطبيعة، وكيف صنع الإنسان الكهرباء والأجهزة الإلكترونية وغيرها من الأشياء العجيبة.

سأخبركم بأحداث ما زالت عالقة في ذهني وأنا طفلة وكان عمري حينها خمسة أعوام أو ستة، فلديّ ذاكرة ممتازة عن طفولتي.

كنت دائماً حينما أذهب للبحر أتعجب من تلك الخلقة المبهرة التي تجعلني لا أستوعب كيف أتى هذا الشيء العظيم، وكيف ذلك البحر المليء بالمياه التي لا تنتهي يظل مكانه! وكيف أنه لا ينشف إطلاقاً! كنت محتارة لأنني كنت أعتقد أن تحت ماء البحر فقط رمالا بناءً على رؤيتي للشاطئ.

فسؤال لم لا تمتص الرمال البحر؟ ظلّ عالقاً في ذهني وكنت أفكر فيه ولا أجد إجابة، كنت أحب وقتها أن أعثر على الإجابة دون مساعدة من أحد، فصبري نفد وقررتُ أن أسأل أمي بكل شجاعة لأحصل على تلك الإجابة.

وضحت لي أمي أن البحر لا يوجد تحته رمال فقط كما كنت أعتقد، وأخبرتني أنه عالم آخر وأن تحته أيضاً نارا وذهلت عند معرفتي كيف اجتمعت النار مع الماء، في القرآن الكريم وبالتحديد في سورة الطور يقول الله عز وجل: "وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ" (6)، فالعلماء يستدلون بهذه الآية على أن تحت البحار ناراً، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله، فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا".

ولكن أمي وقتها شجعتني كثيراً على سؤالي وقالت لي الجملة لن أنساها قط: "شاطرة يا ماما".

فرحت كثيراً حينما أعجبت بسؤالي وأعطتني الثقة أن أسألها مراراً عن كل الأشياء التي لا أعرفها وأنني طفلة ذكية أفكر بالأشياء حولي، وأذكر جيداً أنني تعمدت تكرار السؤال بعد وقت لكي أحصل على ثناء منها مرةً أخرى.

هنا دور الأهل تجاه أطفالهم مؤثر ومحفز على جعلهم أكثر شجاعة وقوة وذكاءً، لذلك اهتموا بأطفالكم وأثنوا عليهم حين يفعلون الصواب ليواجهوا العالم بشجاعة وثقة.

موقف آخر ما زال راسخاً في عقلي، أنني في مرة كنت جالسة أشاهد التلفاز مع العائلة ليلاً نتابع برنامجا وثائقيا عن كيفية استخراج الذهب من الرمال، وأنا حين سمعت أن الذهب يوجد في الرمال سرحت في خيالاتي الواسعة وقررت أن أذهب في اليوم التالي إلى الشارع حتى أستخرج الذهب من الرمل!

وفعلاً ذهبت ظهراً إلى الشارع وكان في شوارعنا بين المنازل رمال فلم تكن مرصوفة بعد، وجلست في إحدى الزوايا لأحفر، وكلما حفرت أتفقد الرمل الذي أخرجته حتى أرى الذهب، وبالنهاية أصبحت الحفرة كبيرة ولم أحصل على شيء.

فهرولت للبيت حزينة أقول لأمي ألم نشاهد في الأمس على التلفاز أن الذهب يستخلص من الرمل، فضحكت أمي وقالت لي يا ابنتي الذهب الذي يستخلص من الرمل يكون ذرات ولا يستطيع الإنسان العادي رؤيتها، وأيضاً ليس موجوداً في كل البلدان، ولكنه يكثر في مناطق نهري دجلة والفرات، وتمنيت أن أكون من سكان تلك المناطق وقتها.

هكذا كنت أقضي طفولتي غالباً وسعيدة جداً أنها كانت كذلك، فكان هناك شيء يبهرني ويجعلني فضولية لأكتشفه.

الفكرة أنني الآن أسمع عن مواضيع مثيرة بشكل يفوق ما كنت أسمعه في صغري مئات المرات فالعلم الآن تطور كثيراً عن قبل، ولكن مهما كان الشيء خياليا فليس عندي أي اهتمام للتفكير أو البحث عنه.

أعتقد أن مشاغل الحياة أوقفت فضولي عن كل شيء فتركيزي على تحقيق أحلامي وأموري الشخصية، أثر عليّ وأصبح مركز عقلي، أما باقي الأشياء مجرد مواقف عابرة.

ونحن الآن في عصر سهل لأن الكثير من الخيال تحول إلى حقيقة، فالخيال صار جزءاً من عالمنا لذلك لا يدعو للدهشة.

أتمنى أن أتأثر بالطفولة التي عشتها والمليئة بالدهشة للأشياء التي حولها، لأن الحياة لا يجب أن تكون عادية، يجب أن تدهشنا دائماً لنغير من الأيام المكررة التي تمشي معنا ونصنع منها أياماً رائعة مليئة بالمغامرات.