تستيقظ حبيبة تنتظر أن تُصبِّح عليها معلمتها برسالة صوتية عبر "واتساب"، تتخيل أن معلمتها تسمعها فترد عليها بتسجيل "صباح النور أنطي"، تسأل والدتها هل تسمعني؟ هل تشاهدني؟
تغمرها السعادة لأن تواصلها مع مربيتها لم تقطعه جائحة كورونا التي أوقفتها عن الوصول إلى مركز "نعم نستطيع" للأطفال ذوي الإعاقة التابع لجمعية الإغاثة الطبية شمال قطاع غزة.
تضاعف والدتها أمل عوض مجهودها مع حبيبة في متابعة الدروس إلكترونيا، لتبقى على تواصل مع معلماتها وتضمن استمرار تلقيها الدروس، وتتفادى تراجع مستواها التعليمي والسلوكي حتى لا تعود إلى المربع الأول للانطوائية والوحدة كما حدث معها في أثناء مدة "كورونا" الأولى في مارس/ آذار.
حبيبة ناصر (5 أعوام) تعاني صعوبات في الحركة حدت من قدرتها على التحكم بعضلات يديها وامساك القلم، لذلك احتاجت إلى التعلم في مركز خاص حيث تخضع لعلاج وظيفي يحسن من قدرتها على الحركة والاندماج والمشاركة مع غيرها من الأطفال.
وجدت أمل في التعليم عن بعد نافذة لها ولابنتها باستثمار وقت ابنتها بشكل مناسب، تقول لصحيفة "فلسطين": "لا أخفيك سرا أنني كنت خائفة من هذه التجربة لأنها تطبق لأول مرة ولا أعرف إلى أين ستؤول نتائجها، وبعد التجربة لم أجدها بالصعوبة التي كنت أتخيلها، وما ساعدني أيضا أن المعلّمات على دراية كبيرة باستخدام الانترنت، ومتابعة الدروس ليست مرتبطة بوقت معين".
وتضيف: "هذه التجربة لها معيقات وهي عدم توافر هاتف ذكي يمكّن الأمهات من متابعة الدروس، وكذلك انقطاع الكهرباء، وحاجتنا إلى بذل جهد مضاعف عن التعليم الوجاهي".
وتؤكد الوالدة أن التعليم الوجاهي أفضل من استيعاب ابنتها لدروس وتعلم سلوكيات ايجابية والاندماج مع غيرها، ولكن التعليم عن بعد أفضل من لا شيء على الأقل معه لا يتراجع مستوى طفلتها التعليمي والسلوكي.
وتشير إلى أن التعليم عن بعد لا يقتصر على تلقي الدروس فقط، بل تعلم وظيفي أيضا يشمل تطبيق العلاج الطبيعي وتقوية العضلات بالعجينة والصلصال وغيرها.
علاج تربوي ووظيفي
أخصائية التربية الخاصة نهال سعدة تبين أن الخدمات تقدم لأصحاب الإعاقة البسيطة والمتوسطة والشديدة، حيث شكلت مجموعات "واتساب" وسميت كل مجموعة باسم الفصل.
وتوضح سعدة لصحيفة "فلسطين" أن معدلات الذكاء لدى الأطفال داخل الفصل متفاوتة، حيث خصصت أهداف تربوية تعليمة لكل طفل، ويتم التواصل مع مدرب الأسرة من الأم أو الأب أو الأخ.
وفيما يتعلق بالأهداف التعليمية، تذكر أنها تركز على الحروف والأرقام، ومهارات الاستماع وحفظ سور قرآنية وأناشيد.
بينما المهارات المعرفية تلفت سعدة إلى أنها تركز على معرفة الأشكال، والألوان، والطعام، وأيام الأسبوع، ومهارة الفصول الأربعة، وإشارات المرور، والأشهر الميلادية.
تقول: "أسجل فيديو فيه شرح للهدف كاملا، ومن ثم يتم التواصل مع مدرب الأسرة ويتم إرسال الواجبات عبر مجموعة "واتس آب".
وتضيف سعدة: "بعض الأهالي غير الفاعلين بسبب عدم توفر جهاز ذكي لديهم، أتواصل معهم عبر الهاتف أخبرها بالدروس التي وصلت إليها في الشرح".
وتلفت إلى أن ايجابيات التعليم عن بعد تكمن في استمرار العملية التعليمية، وردود الفعل الايجابية من الأهالي المعنيين في مواصلة التعلم.
وكان لخدمة العلاج الوظيفي نصيب في تجربة التعلم عن بعد، تقول أخصائية العلاج الوظيفي نوال أبو ركبة: "هناك 18 حالة تتلقى هذه الخدمة التي تختص بتقوية العضلات الدقيقة، والتركيز، وطريقة لبس الملابس وخلعها، والنظافة الشخصية، وإطعام الذات، والاغتسال، وفك الأزرار، حيث أشرح كل طريقة وأطلب من الأهالي تطبيقها مع أبنائهم".
"إنقاذ العملية التعليمية"
بدوره يبين مدير برنامج التأهيل المجتمعي بـ"الإغاثة" بغزة مصطفى عابد أن مركز "نعم نستطيع" هو تعليمي علاجي يقدم خدمات لذوي الإعاقة العقلية من سن 4 إلى 10 أعوام بمختلف تصنيفاتهم، ويقدم وجبة غذائية أيضا.
ويلفت إلى أنه لضمان استمرارية العملية التعليمية، أُنشئت منصات "واتساب" حيث تتواصل كل أخصائية في المركز مع طلابها وتقدم الخدمات المختلفة لهم، ووزعت حقيبة صحية عليهم تحتوي على أدوات وقاية وتعقيم لحمايتهم من الفيروس.
ويشير عابد إلى أن هذه العملية نتج عنها تفاعل من قبل الأطفال ذوي الإعاقة في تطبيق دروسهم التعليمية مع استثمار قدرات الطفل، بالإضافة إلى تحفيز عائلته على مشاركته في العملية التعليمية، بدلا من استخدام الجوال في الألعاب ومشاهدة مقاطع الفيديو، مردفا "بأن التعليم عن بعد استطاع أن ينقذ العملية التعليمية".
ويذكر أن تحديات واجهت التعليم عن بعد منها انقطاع الكهرباء لفترات، وعدم قدرة بعض الأسر على توفير جهاز ذكي للتواصل مع المعلمات.
ويكمل عابد بأنه في حال عودة التعليم الوجاهي فإن التعليم عن بعد سيسير معه جنبا إلى جنب.
