فلسطين أون لاين

المهندس البطش.. يشقّ طريقه وصولاً لـ "براءة اختراع"

...
غزة - عبد الرحمن الطهراوي


لم تتوقف طموحات المهندس الفلسطيني فادي البطش (33 عاما) عند حصوله على درجتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة الكهربائية من الجامعة الإسلامية في غزة أواخر عام 2009، بل ملأ وقته في صناعة نجاح آخر يشار له بالبنان.

ومنذ اللحظات الأولى لحصول البطش على الماجستير، بدأ رحلة البحث عن منحة دراسية لنيل درجة الدكتوراه في إحدى الجامعات العربية أو الأوروبية، إلا أن محاولاته الأولى باءت بالفشل كونه يحمل الجواز الفلسطيني ويسكن في القطاع المحاصر براً وبحراً وجواً.

لم ييأس المهندس فادي وواصل بحثه إلى أن تمكن من الحصول على قبول الدكتوراة من جامعة "مالايا" الماليزية ذات المكانة المرموقة عالمياً، ولكن لم تكن المنحة متاحة فوراً إنما وعده مشرفه في الحصول منحة مساعد باحث في الفصل الثاني من الدراسة، فلاحق التوتر البطش لأن تكاليف العيش والدراسة والسفر ليست هينة.

عزم البطش أمره وسافر برفقة زوجته وطفلتيه بعدما تجرع مرارة الانتظار على بوابة المنفذ البري الوحيد للقطاع إلى العالم الخارجي، وفي شهوره الثمانية الأولى أنفق كل ما ادخره لسفره وبدأت مرارة الغربة يشتد علقمها، ولكنه سرعان ما وجد ما كان يبحث عنه ألا وهي منحة خزانة الحكومية (Yayasan Khazanah).

وتعد منحة "خزانة" الأولى في ماليزيا من حيث جودة المنحة ومن الأفضل الجوائز العالمية، وقبل نحو عامين أدرجت فلسطين في قائمة المنحة التي كانت مخصصة في بداية الأمر للطلبة الماليزيين.

عادت روح التحدي تدب مجددا داخل البطش، فمكانة المنحة تجعل المنافسة عليها حامية الوطيس والمتقدم لها يتوجب عليه الخضوع لأربع مراحل تقييمية تشمل امتحان اختبار الذكاء (IQ Test)، والخرائط الذهنية، ومقابلتين، نجح المهندس فادي في تجاوزهم بجدارة برفقة اثنين من الفلسطينيين.

الأصعب والأفضل

وعن تاريخ المنحة وقيمة جائزتها، يقول المهندس فادي: "تقيم إدارة منحة خزانة الحكومية الطلبة الحاصلين على المنحة بعد تخرجهم في جميع المجالات بما فيها غير الأكاديمية وفق معايير وإنجازات خاصة، لتختار الإدارة الطالب الأفضل وتمنحه جائزة المنحة، التي تعد الأولى والأصعب والأفضل على مستوى الدولة".

وعلى عكس توقعاته، نال البطش جائزة المنحة لهذا العام بعد حصوله على درجة الدكتوراة في الهندسة الكهربائية (إلكترونيات القوى)، وتحقيقه جملة من الإنجازات العلمية والعملية التي أهلته للفوز بالجائزة، كأول عربي يتوج بها.

ويضيف البطش: "خلال الحفل السنوي العاشر للمنحة الذي عقد في العاصمة كوالالمبور، تسلم فيه جائزتي التكريم والتفوق من قبل رئيس وزراء ماليزيا د. محمد نجيب عبد الرزاق، ضمن أجواء احتفالية ستبقى محفورة في الذاكرة".

شعور بالفخر يخيم على البطش حينها، مخاطباً نفسه بتلك اللحظة "هانت يا ابن فلسطين تحقق إنجاز كبير في محفل عالمي بعد سنوات من التعب والمدافعة، وهذا رئيس الوزراء يعبر لك عن عظم سعادته بفوزك بالجائزة، مؤكدا لك أن ماليزيا ستستمر في دعم الشعب الفلسطيني ونضاله العادل ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم".

وأعد الفلسطيني فادي خلال دراسته الدكتوراة في منحة خزانة بحثا حول رفع كفاءة شبكات نقل الطاقة الكهربائية باستخدام تكنولوجيا إلكترونيات القوى، إذ نجح فعليا في خلق جهاز يعتمد تصميمه على تكنولوجيا إلكترونيات القوى ومن ثم توصيله بشبكة نقل الطاقة الكهربائية وتحسين كفاءة الشبكة بنسبة تصل لــ 18 %.

ويحقق البحث في حال تطبيق فكرته عدة فوائد أهمها تقليل الفقد في الطاقة (Power Losses) الذي ينتج عن عملية نقل الطاقة الكهربائية من محطات توليد الطاقة الكهربائية عبر خطوط النقل إلى المستهلكين، إلى جانب تحسين كفاءة شبكة نقل الكهرباء عموما.

وهل لفلسطين نصيب من دراستك، يجيب البطش: "يشترط لتطبيق فكرة بحث الدكتوراة أن تكون الشبكة الكهربائية مستقرة ولكن في واقع غزة، فالطاقة غير متوفرة أصلا حتى يتم نقلها وتقليل الفقد في عملية النقل، وبالتالي يمكن تطبيق البحث ولكن النتائج لن تكون كما لو كانت الطاقة متوفرة دائما".

ويوضح الدكتور فادي "الفكرة تطبق أيضا في خطوط النقل التي يزيد طولها عن 100 كم أما في شبكة التوزيع فيمكن تصميم نموذج آخر يتوافق مع شبكات التوزيع الداخلية كحال غزة، ولكن بالنسبة لمدن الضفة الغربية فالأمر أكثر ملاءمة وإمكانية التطبيق متوفرة".

إنجازات متعددة

وإلى جانب حصده لجائزة ماليزيا الأولى، حقق إنجازات أكاديمية أخرى كنشر18بحثا محكما في مجلات عالمية والمشاركة في أبحاث علمية محكمة في مؤتمرات دولية عقدت في عدة دول، والحصول على جائزة أفضل بحث في مؤتمر (Saudi Arabia Smart Grid conference (SASG - 2014) والذي عقد في السعودية.

وقال: بحسب موقع (Researchgate) فقد بلغ عدد من قرأ أبحاثي من جميع دول العالم نحو 5500 بجانب أكثر من 60 اقتباسا، وكذلك حصلت على المركز الأول في مسابقة (University of Malaya Three-Minute-Thesis Competition 2015)، التي تهتم بتلخيص بحث الدكتوراة لغير المختصين في صفحة عرض واحدة ثابتة.

ولظروف غربة الدكتور الغزي فادي البطش حكاية أخرى، قال عنها: "كانت أياماً صعبة عشتها في حالة نفسية متقلبة، ما بين حنين للأهل والوطن وبين تحديات المرحلة والحياة الجديدة، ولكن تجاوزت ذلك بيسر وسلاسة بعد امتصاص "الصدمة الثقافية" الناتجة عن اختلاف الموطن الأصلي والبلد الجديد من حيث العادات والتقاليد".

ومثلما كان الحديث عن الطموحات حاضرا في بداية اللقاء تحدثنا عنه أيضا في النهاية، فجاءت طموحات البطش راقية ومتنوعة ما بين السعي وراء الحصول على درجة بروفسور في تخصص الهندسة الكهربائية والاستمرار في كتابة الأبحاث العلمية المحكمة، والاشراف على طلبة الدراسات العليا، والحصول على براءة اختراع لبحث الدكتوراة.

وهل يمكن للإنسان الفلسطيني أن يتميز دون أن يصطدم بتحديات وعقبات، الواقع يجيب عن ذلك بالنفي، ويعلق البطش على ذلك "الحصار الإسرائيلي الظالم بلا شك يقف عائقاً في وجه المبدعين والساعين للتميز، ولكن إن بذل الإنسان مزيدا من الجهد والمصابرة ستتحطم كل الصعاب وتتحقق الطموحات".