فلسطين أون لاين

فاز بجائزة كتارا عن فئة روايات الفتيان

محمد العكشية.. شاهد على "صراع الورقة والقلم"

...
غزة-هدى الدلو:

"2222" رواية خطها محمد العكشية في ظروف غزية صعبة، ولكنها تمكنت من أن تجد لنفسها مكانًا بين الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها السادسة لعام 2020م، عن فئة "روايات الفتيان".

"عبر الصفحة الإلكترونية شاركت بالرواية، ولم أتوقع الفوز ولم أستبعده، فالرواية المشاركة كانت من وجهة نظري تستحق التقدير لو توافرت لها بيئة تحكيم نزيهة وعادلة، وهو ما كان الحمد لله" يقول العكشية في حديث مع صحيفة "فلسطين".

العكشية ولد في مدينة غزة عام 1984م، حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية، وأتبعها درجة الماجستير في التخصص ذاته، وأخرى في إدارة الأعمال، عمل في وزارة النقل والمواصلات مهندس مرور وموانئ، ثم انتقل للعمل مديرًا لدائرة المواصلات بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".

لديه العديد من الأعمال المنشورة في: الشعر، وأبرزها "الألفية الرائية في تاريخ القدس العلية"، وهو عمل تأريخي من ألف بيت في توثيق تاريخ القدس منذ العهد الكنعاني حتى عام 1967م؛ والمسرح الشعري المطبوع؛ ومن المخطوطات المسرحية غير المطبوعة؛ ومخطوطات روائية (2222 الفائزة بجائزة كتارا، وأبناء دوثان).

أعراض الكتابة ظهرت مبكرًا في المرحلة الثانوية، يقول عن ذلك: "كانت لي خلال مرحلة الجامعة كتابات ومشاركات أدبية متواضعة، لكن التطور الأكبر بعد انتهاء المرحلة الجامعية، إذ وجدت بعض الوقت للاهتمام بالكتابة، إضافة إلى نضوج الموهبة وتغذيتها بتراكم القراءات والتجارب الأدبية المختلفة".

"عيون الأدب"

أما الغذاء لتطوير تلك الموهبة فكان القراءة المكثفة والاطلاع على عيون الأدب العربي القديم والحديث، والقراءة المتنوعة في مجالات علمية وأدبية متفرقة، كان لها أكبر الأثر في تنويع ثقافته وإمداده برافد معلوماتي كبير يخدم فكرة الكتابة ويوسع من آفاقها ويمنحها مزيدًا من التميز.

الهندسة والكتابة من وجهة نظر ضيفنا بينهما رابط، فعلم الهندسة يساعد على توسيع آفاق العقل والتفكير دومًا خارج الصندوق، ما يضمن سعي صاحبه إلى التميز والإبداع، ورفضه أن يكون مجرد تكرار للآخرين.

ويضيف العكشية: "انعكس ذلك على الكتابة، إذ أنفر من فكرة الكتابة الاعتيادية النمطية التي لا تضيف جديدًا، وأسعى إلى عناصر الإبهار والجدة والطرافة والابتكار، وأنأى بنفسي في عملية الكتابة عن استخدام الدارج والمتداول من الصياغات والأفكار في نصوصي، وهذا كله أعانني عليه التفكير الهندسي وغذاه فيَّ علم الهندسة الذي لا متسع فيه إلا للإبداع والمبدعين".

الكتابة حالة روحية غامضة تشترك فيها الكثير من العوامل كالوراثة والموهبة والخلفية الثقافية والتراكمات النفسية الإيجابية منها والسلبية.

ويبين أنها ليست مهنة أو حرفة أو علمًا يدرسه الشخص حتى يتكسب ويعتاش من ورائه، كما في التخصص والدراسة الجامعية، "إنما هي شطحات نفسٍ وشأن روحي بحت لا علاقة له بالمقاييس المادية والحسابات الدنيوية بالمطلق"، وفق تعبيره.

يعتز بكونه مهندسًا ولا يمكن أن يختار تخصصًا غير الهندسة لو عادت به الأيام عشرات المرات، أما عن الكتابة فيتابع بنفس عميق: "هي مستراحي الروحي، ووسيلتي لمخاطبة المجتمع بلغة راقية، ومحاولة صناعة التغيير بأداة إنسانية سامية".

ويشهد العكشية على الصراع الذي يتمثل أمامه بين الورقة والقلم، حيث صراع بين الفارغ المنطلق (الورق)، والممتلئ المحبوس (القلم أو الحبر)؛ إذ يظن الورق أنه حر بالفراغ الذي يحياه، ويظن القلم أنه مقيد بالامتلاء الذي يسكنه، موضحًا أن كلاهما مخطئ؛ إذ إن فراغ الورق -على ما فيه من حرية- هو جهل، وامتلاء القلم -على ما فيه من قيد- هو علم وحكمة، فقط حينما تحدث عملية الكتابة يدرك كل منهما خطأه، ويكون النص تجسيدًا لذلك.

وتستهويه الكتابة في القضايا العامة التي تشمل تأملات فلسفية وفكرية، وله كتابات شخصية تتعلق بتجاربه الخاصة، ويكتب في مشكلات وهموم المجتمع الفلسطيني الاجتماعية والسياسية.

ثم تطرقنا مع ضيفنا إلى الرواية الفائزة، 2222 هي عمل روائي قصير، يمكن تصنيفه ضمن فئة الخيال العلمي الموجه للفتيان أو الناشئة، القصة تدور حول حدث بيئي/ فيروسي خطير يتنبأ به الأجداد الكنعانيون سكان مدينة (يبوس) القدس قبل آلاف الأعوام، وينقلونه إلى الأجيال بوساطة نقوش على كهف في مدينة القدس.

ويسرد العكشية: "وينتقل عالم كيمياء جيولوجيّة من عام 2222م (الزمن المتوقع للكارثة الذي يؤكده علماء المستقبل) عبر الزمان والمكان ليصل إلى مدينة القدس في عام 2019م ليستجلي حقيقة هذه النقوش، التي تكون قد أوشكت أن تختفي في زمانه بفعل عوامل طبيعية".

في بحثه يلتقي فتى وفتاة من مدينة القدس 2019م مهتمَّين بهذه النقوش، وتدور أحداث القصة حول البحث عن حل ينقذ البيئة من الحدث الفيروسي الخطير، وتمر القصة بمنعطفات وأحداث مشوقة تعكس الفارق بين الزمنين في التكنولوجيا، وتحديدًا في مستوى التطور الذي تتوقعه الرواية لعلماء الأمة العربية الذين يقودون عملية البحث العلمي في ذلك الزمان بتقنيات مذهلة قد لا تخطر على عقل القارئ.

ويمر أبطال القصة بصعوبات تقنية وعلمية وإجرائية من أجل الوصول إلى فك شيفرة النقوش وتحضير العلاج الوقائي للكارثة، وسط استخفاف كثير من الباحثين في الوسط العلمي العالمي في عام 2222م، واعتقادهم بأن ما يقوم به الباحث الكيميائي ورفيقاه هو ضرب من الخرافة والجنون؛ إذ يبحثون في نقوش تنبئية ترجع إلى ما يربو على ثلاثة آلاف عام عن حل لمشكلة شديدة التعقيد البيوكيميائي في زمن متطور جدًّا من أزمنة البشرية.

يثبت الباحثون أن الأصالة تكمن في نقوش الأجداد، ونقاء أرواحهم سبب في استجلائهم الحقائق بشكل أكثر وضوحًا من الجهود المادية البحتة، والروح البشرية قد تكون أعمق فهمًا للكون من كل البحوث التجريبية، خاصة لو ارتبطت بأصالة الأرض والانتماء لموجوداتها بشرًا وجمادًا.

وشارك العكشية قبل ذلك في أعمال كثيرة غير هذه الرواية، وحصل على عدة جوائز محلية وعربية.

المشاكل التي واجهته كالتي تواجه أي كاتب فلسطيني في غزة، ومنها صعوبة السفر وتلبية الدعوات الرسمية للمشاركة في الفعاليات الدولية.

ويلفت العكشية إلى أهمية الدور الرسمي في تفعيل العمل الثقافي، وتشجيع المبدعين وإشعارهم بدورهم ومكانتهم في المجتمع، برعاية وتفعيل نشاطات ثقافية كالأمسيات والمسابقات والمعارض وغيرها، أو إشراك المبدعين في الحياة العامة بالاستفادة من مواهبهم في توعية الشارع ورفع المستوى الثقافي العام للجمهور.

ويحلم برؤية السعادة في عيون الناس وألا يكون في بلده طفل معذب، وعلى صعيده الخاص يرنو للوصول إلى العالمية وترجمة أعماله إلى لغات متعددة، ليقرأها كل إنسان ويدرك أن على هذه الأرض شعبًا يستحق الحياة والحرية والعدالة.