خيمة من نايلون أسود، وحبة زيتون حزينة تجلس على حجر من الركام تضع يدها على رأسها وبجوارها حبتان صغيرتان من الزيتون حزينتان غاضبتان يواسينها، وعلى كومة من الحجارة تظاهرت حبات زيتون واقفة تندد وتستنكر جريمة هدم الاحتلال منزل أسير، حاملة أعلام فلسطين.
هذه لوحة ناطقة جسدها نضال الأسمر (29 عاما) والذي يعمل في مهنة البلاط، تصور مشهد هدم بيت الأسير خليل دويكات ابن قريته روجيب شرق نابلس، استخدم فيها حبات الزيتون بعد انتهائه مع أسرته في قطف كرم الزيتون.
قطف الزيتون موسم عرس يتشارك فيه جميع أفراد العائلة في فلسطين من الأطفال حتى الشياب، حيث يأخذون اجازات من أعمالهم فيه هذه الأيام، يرددون أهازيج البهجة والسعادة بقدوم الموسم الذي ينتظرونه طول العام، والتي تنسيهم اجهاد ومشقة هذا موعد القطاف الذي يبدأ من ساعات الصباح الباكر حتى غروب الشمس.
نضال منذ أن كان في عمر الرابعة عشر، لم يكن موسم الزيتون موسا عاديا بالنسبة له، فرحته تكمن مع انتهاء القطف لأنه سيتفرغ وأخيرا لصنع عمل فني يعبر فيه عما تعتريه من مشاعر بهجة وفرحة تجسدها حبات الزيتون.
هذا العام كان مختلفا، حيث استوحى عمله الفني الثاني من الواقع الذي فرضته جائحة كورونا على العام أجمع، حيث ألبس زيتوناته الكمامات الواقية كإجراء احترازي من انتقال عدوى الفيروس بين الناس.
شغوف نضال بتصوير عمله الفني لذا في العام 2011 اقتنى كاميرا احترافية لتصوير عمله الفني، وبدأ بنشرها على صفحته في "فيس بوك" والتي لاقت استحسانا من أصدقائه وأقاربه، ومع التطور التكنولوجي امتلك هاتف محمول متطور يخرج الصور بجودة عالية، فكانت حركة ذكية منظر لكي يتعرف الناس على فنه ويجعلهم متشوقين ومنتظرين له كل عام.
عادة ما يجسد نضال بحبات الزيتون فرحة الانتهاء من القطف، ولكن هذا العام أراد أن يحمل عمله الفني رسالة تحاكي الواقع الذي نعيشه، يقول لصحيفة "فلسطين": "أثناء تجهيزي للعمل الفني الخاص بكورونا، هدم بيت أسير في القرية فأردت أن أصنع عمل فني يصور الحالة الذي وصلته إليه العائلة بعد الهدم كنوع من الدعم المعنوي لها، وكانت حبات الزيتون فيه حزينة وبائسة".
تهكم أحدهم في تعليق له على صورة العمل الفني الذي نشره على "فيس بوك" " هل تعتبر هذا فنا، بإمكاني أن أفعل مثله ببساطة"، ولكن الحقيقة التي يبينها نضال أن العمل الفني الذي يظهر بلقطة إلى الجمهور، يحتاج إلى ثلاث ساعات يمضيها ما بين اختيار الحب المناسب، والأعواد التي تتماشى مع فكرته والتي تعبر عن حركة اليدين والقدمين، ومن ثم البدء بتنفيذ الفكرة واكساب الحبات تعابير الوجه.
واختيار الكادر المناسب للصورة، يوضح أنه يمضي ساعة ونصف لالتقاط صورة مناسبة لكل عمل فني من حيث الاضاءة والوضوح وبجودة عالية، حيث أن العمل الأخير التقط له 60 صورة، اختار منها 15 صورة مناسبة، ونشر ثلاث منها فقط.
في البداية كانت عائلته وأقاربه يستنكرون ويسخرون ما يقوم به لم يلق بالا لهم واستمر للعام 15 على التوالي، حيث بدأت أعماله الفنية السنوية حدثا ينتظره متابعيه وأصدقائه أيضا.
وهذا العام كان بمثابة نقلة نوعية لنضال لأن صورته انتشرت بشكل واسع وتناقلتها العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، لأنها جسدت واقعا أليما يعيشه الفلسطينيون من اعتداءات وحشية من قبل الاحتلال الاسرائيلي تزامنا منع احياء الذكرى 103 لوعد بلفور المشؤوم.
يستمر نضال في استخدام حبات الزيتون لتنطق بالواقع، وتحمل رمزية دينية ووطنية بأهمية الزيتون لكل فلسطيني على وجه البسيطة ودلالته على تجذره في أرضه.