رأى مختصان في الشأن الفلسطيني، أن القضية الفلسطينية تعيش أخطر مراحلها، بعد 103 أعوام على وعد بلفور المشؤوم، في ظل عمليات التهويد والاستيطان الإسرائيلية المتسارع، وهرولة دول عربية نحو التطبيع مع الاحتلال.
وأوضح المختصان لـ"فلسطين"، أن "وعد بلفور" مهّد الطريق لاتفاقيات التسوية التي سلبت الفلسطينيين ما تبقى لهم من أرضهم وحقوقهم وشرعنت وجود الاحتلال.
و"وعد بلفور" هو الرسالة التي بعثها وزير الخارجية البريطاني الأسبق آرثر جيمس بلفور، في 2 تشرين ثاني/ نوفمبر 1917 إلى اللورد (اليهودي) ليونيل وولتر دي روتشيلد، يشير فيها إلى أن حكومته ستبذل غاية جهدها لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
نكبة فلسطين
أستاذ التاريخ الإسلامي، عصام عدوان عدّ أن وعد بلفور هو أساس الداء الذي أدى لنكبة شعبنا الفلسطيني، موضحًا أن وجود قوة عظمة هي بريطانيا ومن خلفها مجموعة دول عظمى ممثلة بـ"عصبة الأمم آنذاك" أسس لهذه النكبة، رغم أن تعداد اليهود وقتها لم يتجاوز 7% من السكان.
وقال عدوان: "إقامة وطن لليود في فلسطين تطلب تدمير للمجتمع الفلسطيني بكافة أركانه، وهذا ما قامت به بريطانيا مدعومة من المجتمع الدولي حينها من جهة، ودعم الاستيطان اليهود من جهة أخرى".
وأضاف أن النكبة الفلسطينية لم تكن سوى ثمرة لغرس بلفور معتمدا على الاستيطان الذي هو عقيدة صهيونية بداتها الحركة الصهيونية قبل بلفور ومستمرة فيها حتى الأن، مشيرًا إلى أن (إسرائيل) تقوم على ركيزتين هما الهجرة والاستيطان، وهما مرتبطتان ببعضهما البعض وتزامنهما هو سبب نجاح المشروع الصهيوني.
ورأى أن اتفاق أوسلو الموقع عام 1993 ساعد على استشراء الاستيطان بشكل كبير فتضاعفت المستوطنات قرابة أربعة أضعاف وتضاعفت أعداد المستوطنين قرابة سبعة أضعاف، حيث تقضم (إسرائيل) الارض الفلسطينية يوماً بعد يوم ضمن مشروع توسعي استيطاني تهويدي.
وعبر عدوان عن اعتقاده بأن الرفض الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي كان واضحا وقطعيا ومدعوما بالرفض العربي، مستدركا بالقول: "للأسف منظمة التحرير فتحت الباب واسعا أمام من يريد أن يعترف بـ(إسرائيل) ويتعامل معها من خلال كونها أول من طبع معها".
وأشار إلى أن المشروع الفلسطيني كان معتمدا على الرفض الشعبي للاحتلال، لكن بعد توقيع اتفاق "أوسلو" انطلقت دول عربية نحو التسوية مع الاحتلال باعتبار أنها لن تكون فلسطينية أكثر من الفلسطينيين، عادًا أن الرد الأمثل على هرولة العرب نحو التطبيع هو سحب منظمة التحرير اعترافها بـ(إسرائيل).
وتابع عدوان: "لا يمكننا أن نطالب العرب بعدم التطبيع مع الاحتلال دون التراجع عن اتفاقيات التسوية مع (إسرائيل)، مؤكدا أنه رغم هرولة الحكومات العربية نحو التطبيع إلا أن الاحتلال لن يكون دولة طبيعية في المنطقة، فهذه الأنظمة لا تمثل شعوبها وهي حكومات زرعها الاستعمار في المنطقة العربية.
تأسيس المشروع الصهيوني
من جانبه، عدّ المحلل السياسي، د. عدنان أبو عامر أن وعد بلفور هو بدايات تأسيس المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، من خلال فرض وقائع على الأرض عبر زيادة الهجرة اليهودية ومصادرة الأراض الفلسطينية، مشيرًا إلى أنه النتاج الحقيقي الحركة الصهيونية في بازل عام 1897، وانعكاس سيطرة الدول العظمى آنذاك على حساب الشعب الفلسطيني.
وأوضح أبو عامر أن "وعد بلفور هو النواة الأولى لفرض المشروع الصهيوني لخدمة أهداف استعمارية غربية لإقامة منطقة عازلة بين بلاد الشام ومصر، وكانت الحركة الصهيونية هي الأداة لهذا المشروع الغربي للسيطرة على المنطقة العربية في مرحلة ما بعد الدولة العثمانية.
وبين أن هذا الوعد أفضى لكل المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، بما فيها مشروع التسوية والاستيطان و"خارطة الطريق" و"صفقة القرن" فهو يتحمل المسؤولية التاريخية عن كل ما آلت اليه القضية الفلسطينية في هذه السنوات من ضياع للحقوق.
وبعد مئة عام من وعد بلفور، رأى أبو عامر أن القضية الفلسطينية تمر بوضع مُريع بفعل مجموعة من العوامل السياسية والاستراتيجية في المنطقة وحالة التراجع العربية غير المسبوقة أمام المشروع الصهيوني في ظل موجة التطبيع الحاصلة والتقارب العربي– الإسرائيلي لتحقيق مصالح خاصة بعيدا عن القضية الفلسطينية .
وتابع: "فيما تمضي (إسرائيل) بفرض الوقائع على الأرض وتجاوز كل الحقائق السياسية والجغرافية على الأرض لصالح اليهود الذين يأتون من كل دول العالم لخدمة الحركة الصهيونية".