رن هاتف ماجدة صبحي ذات يوم من عام 2015، وإذا بصوت صبية: "خالتي، شو في عندك مهاهاة وأهزوجة شعبية لاستقبال الضيوف عشان استقبل فيهن ضيوف "زورونا"_ مهرجان يقام سنويا ببيت صفافا لإبراز تراثها الشعبي- فزوّدتُها بمطلبها، ونالت مبتغاها.
بعد أن أغلقت ماجدة الهاتف، همست في نفسها "ويح أجيال ستأتي كيف لها أن تعرف هذا الإرث العريق إن لم نحفظه ونقدمه لهم، وليبقى بين أيديهم، يلجؤون إليه حين الحاجة"، فكانت فكرة ، وأصبحت واقعاً بإصدارها كتاب "زفة وزغرودة يابنات" في سبتمبر/أيلول.
ماجدة مقدسية من قرية بيت صفافا ولدت في 1967، ربة بيت وناشطة متطوعة، تعمل محفظة للقرآن وواعظة، وفي مجال التراث تقوم بنشاطات تراثية في المدارس والمؤسسات المجتمعية كحكواتية.
أخذت ماجدة على عاتقها توثيق وتدوين التراث السمعي والبصري، حيث يوافق 27 أكتوبر/تشرين الأول اليوم العالمي للتراث السمعي والبصر، لمدينتها وقريتها على وجه الخصوص، حيث أخذت تجتمع مع نساء قريتها لتستمع لذكرياتهن عن تاريخ العرس الفلسطيني منذ زمن الاحتلال البريطاني، مرورا بالنكبة فالنكسة وصولا إلى يومنا هذا.
وتطرقت في الكتاب إلى مراحل المصاهرة والعرس بدءا من اختيار العروس ومواصفاتها أيام زمان، والطلبة فالخطبة فالزواج، إلى جانب الحديث عن تفاصيل وتحضيرات ليالي التعاليل وليلة الحناء وحمام العريس .
تقول ماجدة لصحيفة "فلسطين": "بدأت ألمح نسيان نساء القرية لكثير من الأناشيد في ليالي التعاليل، والعرس بسبب انتقال أعراسنا من البيوت للقاعات وأيضا اقتحام الآلات التقنية "دي جيه" لمناسبات الفرح مما أثر على الكثير من عاداتنا وتقاليدنا وموروثاتنا بما فيها الأناشيد فكان لا بد من أحد باتخاذ خطوة وأخذ زمام المبادرة فكنت أنا".
والتراث السمعي الذي وثقته أهازيج وأناشيد الرجال والنساء بكل أنواعها، أما البصري كالزي والزفة وجميع المراسيم التي يمر فيها الفرح من حنة وزفة وغيرها.
"أجمل العادات"
وكانت الأهازيج تستوحي من الأحداث التي مرت بها فلسطين في كل حقبة زمنية، كهذه الأهزوجة: لاطلعْ ع الطيارة فوق وافكفك براغيها.. والعرسان أشكال ألوان يا العريس يا محليها. . لاطلع ع الطيارة فوق واحلحل ماكنتها.. والعرسان أشكال ألوان يا العريس يا زينتها.. لاطلع ع الطيارة فوق واحلحل مروحتها.. والعرسان أشكال ألوان يا العريس يا نوّارتها.
وتضيف ماجدة: " تلك أنشودة شعبية من أناشيد زفة العريس استوحتها نساء فلسطين في فترة سبعينيات القرن الماضي (...) ولا تزال هذه الأنشودة تغنى في قريتنا في ليالي التعاليل وفي بيت العريس".
وتردف: "ربما نلحظ بعض ملامح التعجب على وجوه الأجيال الشابة من هول الخيال التي تحمله كلماتها، تغنى هذه الأهزوجة بنوع من المرح وبلحن سريع حماسي تنشد كل مرة كأنها أول مرة".
من أجمل العادات القديمة التي سادت في قرية بيت صفافا قبل النكبة أن أم العريس كانت توزع صباح ليلة الحنّاء، على كل واحدة من جاراتها ونساء العائلة وصديقاتها منديلا قطنيا (محرمة) مزينا ومزركشا خصيصا لهذه المناسبة، وتضع فيه قطعة صابونة نابلسية وحفنة حناء ، وتجري جولة صباحية عليهن "كعربون محبة" وهدية للحبيبات ودعوة لهذه المناسبة واستعدادً لها.
ومن أجواء المحبة والصحبة لا بد أن ينشد لأم العريس في تلك الليلة أنشودة مرحة تتقبلها أم العريس برحابة صدر وبلحن سريع طريف : يا أم العريس يا جرين الجاجة (الدجاجة).. من يومك يا أم العريس غنّاجة.. يا أم العريس يا جرين القُرْقعة (السلحفاة).. من يومك يا أم العريس مْبَرْقعة.
وتنتهي الأهزوجة بسلسلة من الضحك وأجواء من المرح.
يقول الكاتب ابراهيم نصر الله: "إن الحكايا التي لا نكتبها تصبح ملكا لأعدائنا"، وبها تؤكد ماجدة أن الشعب الفلسطيني يجب أن يوثق تراثه فهو رمزه وارثه التاريخي للمحافظة عليه، لأنه في معركة وجود مع الاحتلال الذي يسرق منه كل شيء.
وتشير إلى وجود مبادرات فردية وجماعية لتوثيق التراث السمعي والبصري والمادي، وكل ما تركه الأجداد يقولون في مثلهم "اللي ما اله خير في قديمه ما اله خير في جديده".
ولدى سؤالها عن أكثر ما تميل إلى توثيقه في التراث الفلسطيني، تجيب: "كل ما يخص التراث من حكايات أمثال، مفردات لهجتنا ، أدوات وأواني، زي ، تطريز ، أغاني، وموروثاتنا الدينية والطبية والزراعية والاجتماعية والشعبية تفاصيلها كافة".
ماجدة ترى نفسها "محظوظة" لأنها ولدت وتعيش في مدينة القدس، وهذا كان مشجعا لها على جمع التراث وتدوينه، فهي تبين أن مدينة القدس المحتلة، متعددة من حيث فئات المجتمع الفلسطيني ففيها المدني (الحضر) والفلاحين(أهل الريف) والعائلات الخليلية(من مدينة الخليل)، والنصارى بكل طوائفهم، وأيضا البدو.
وتوضح أن هذه التوليفة ساهمت في تحفيزها على النشر والمشاركة بفعاليات تراثية كالتعريف بالمطبخ والزي المقدسي وغيره، كما شاركت في عدة فعاليات في القدس وخارجها، حيث يقام كل عام مهرجان للحكايا الشعبية الفلسطينية وأيضا في اسبوع التراث الفلسطيني.
وخلال جائحة "كورونا" لم تترك الترويج للتراث الفلسطيني، بل شاركت ماجدة بفعاليات عبر "الزووم" خارج الوطن، وفي قريتها أيضا.