فجأة سقطت على الأردن العربي المساعدات، وبدأ الاستثمار، وبدأت بشائر الازدهار، فبعد الفقر والغلاء والتجويع والبطالة والركود الاقتصادي الذي أرهق الشعب العربي في الأردن، بدأت مرحلة قطف ثمار التطبيع العربي، وبدأت مليارات الدولارات تنهال على الأردن، من خلال مشروع إقامة سكّة حديد تربط مدينة العقبة الأردنية بالعاصمة عمان، ويعتبر مثل هذا المشروع الحيوي والمهم جزءاً من مشروع سكة حديد عملاقة على المستوى الإقليمي، ستربط لاحقاً كلا من الأردن بمصر والسعودية ودول الخليج والعراق ثم بإسرائيل.
فهل هذا هو الشق الاقتصادي من صفقة القرن؟ والذي عمل المستوطن اليهودي كوشنير على رصد عشرات مليارات الدولارات لإنجاحه، ألا تهدف مشاريع التشغيل هذه إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، ثم لبنان ومصر وقطاع غزة؟
الأموال التي ستهطل على الأردن على هيئة مشاريع تعطي الجواب! فمن ضمن المشاريع التي حصلت على الموافقة الأردنية، وحصلت على التصاريح الاستثنائية، مشروع الاستثمار الضخم في المجال الطبي، مشروع تجاوزت قيمته المليار دولار، ويتضمن إنشاء جامعة طبية ضخمة في مدينة العقبة الأردنية مع مستشفى كبير بالقرب من مدينة نيوم السعودية، ومن الملاحظ أن مدينة العقبة البحرية قد صارت محطة أساسية في استثمارات ولي العهد السعودي، وهي استثمارات لها علاقة بأجندة إقليمية وسياسية على الأرجح، وإلا لماذا تصب كل المشاريع في العقبة؟ وهل لهذه المشاريع علاقة بحفر قناة تربط بين مدينة إيلات المغتصبة والبحر المتوسط؟
الجواب يأتي من دولة الإمارات قائدة التطبيع في هذه المرحلة، ورأس حربة تطبيق صفقة القرن، فقد تحركت الإمارات في اتجاهين يصبان في الهدف نفسه، الاتجاه الأول تمثل بشراء العقارات في القدس العربية بمبالغ خيالية، والاتجاه الثاني ورد في تقارير تفيد أن هنالك مشروع تملك المباني والأراضي، ومحاولات لشراء أسهم وحصص في المنشآت السياحية والفندقية في العقبة الأردنية، ويتم الشراء من قبل مستثمرين سعوديين وإماراتيين، وهنا يقفز السؤال: لصالح من؟ وما الهدف من الاستثمار والتملك في العقبة؟
إنها صفقة القرن، والذي يؤكد ذلك، تخصيص مشاريع في مدينة العقبة تتعلق بالطاقة، وبعض التسريبات تتحدث عن خطة استثمارية سعودية واماراتية مشتركة قد تؤدي إلى إنتاج وخلق ما لا يقل عن خمسين ألف فرصة عمل لأردنيين، وربما أكثر، وذلك وفقا لوعود اللجان التي تشتغل على هذا الملف.
إنه التوطين للاجئين الفلسطينيين من بوابة الإنعاش الاقتصادي، وإنه الإزاحة للثقل الاقتصادي والحياتي والسياسي من الشمال إلى الجنوب، وقد أفادت التقارير أن هناك قراراً سياسياً أردنياً يقضي بمنح المشاريع السعودية كل التراخيص اللازمة، بما في ذلك تراخيص صادرة عن وزارات البيئة والتعليم العالي والصحة والبلديات.
هذه التطورات الخطيرة والمصيرية التي تعصف بالمنطقة تمر بلا صخب أو ضجيج في ظل الهدوء والهناء الذي يعيشه الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اليهود على أرض الضفة الغربية المحتلة، هذا الهدوء الدمث والناعم هو المحفز الأول لقادة إسرائيل كي يزحفوا بأطماعهم شرقاً، هنالك بعيداً بعيدا، بهدف توسيع مساحة الأرض العربية المحتلة مباشرة من الجيش الإسرائيلي، أو المحتلة بشكل غير مباشر عن طريق جهاز الموساد الإسرائيلي.