فلسطين أون لاين

التيه في الوطن بين سلطة رام الله والاحتلال

...

لم تكن السنوات سوى ضياع ليس إلا بلا معنى بحفر نقشي في متون التاريخِ بمداد القهرِ والألم أتجرعه ولا أكاد أُسيغه فنكهةُ السوطِ من يدِ جلادٍ تمنطقَ باللغة العربية تدمي العيون الناعتة عند لوعة الغضب، لا تقف متحيراً من هول اللحظات الحزينة فاليوم ما زلتُ أتقلبُ في السنين الحاقدة ليست علي بل على الذين تاهوا في صحراء العبودية ليصحوا على قعقعة الكوكبِ والنجوم تعبر عن غيظها لما آلت إليه الأمور.

اليوم أعترف بأني لم أكن سوى حربي يقاتلُ في صف جندٍ يواجه جيش الطاغوت , عدوٌ التحفَ بالمكرِ والخديعة حتى سلب أحلامَ الأطفالِ في مهدها, ضج التاريخُ بهم لفظهم بكلِ مكنوناتهِ, عله يطهرُ شيئاً من متنهِ, لكنهُ مال إلى الحزنِ فلم يستطع شيئا من بشرٍ تغلغلَ من سطرهٍ يخنق النصَ حتى دحرهِ والتاريخُ يبكي دموع المحتال .

لعشرٍ مضت أظنها كلمح البصر, خاطفة لا لبسَ فيها إلا من بقايا عروقٍ تفطرت في وجهي مستدير أو علاماتِ سوطٍ تمنطقت حول جسدي كما الأخاديد التي جعلت لنفسها حضوراً بين الآهات والقمم, بحثتُ عن وصفٍ في خلوتي عن لحظةِ الحنق التي لا تنتهي حتى ذبتُ في حضرة الصوفية, التي أعطت لكل المآسي معنىً من ابتهالاتٍ روحية، فوجدتني واقفاً أمامَ هول اللحظة الأولى أن حصاريَ اليوم ممن تحدث بلغة الضاد ِ وسيلة وتسمى بأسماء الثوريةِ حيلةً ولبسوا لبوسَ الفداءِ خدعةً ومكيدة .

التجمَ لساني لحظةً فالمقتحمُ لمهدي يتحدث اللغة العربية, يسألوني إن كنت أنا ، أنا. أو إن كنت أنا غيري . لم أحر للحظة فالمعول الهدام يقطع شجر الزيتون في وطني منذُ زمن يعرفُ نفسه بصلف الكلمات الناطقة أنا من جهاز المخابرات الفلسطينية .

سعدتُ برؤياهم فقد تحرر من قبضة الشعبِ وأصبح عبداً مملوكاً لبني صهيون له مهمة الأمن والأمان والمحافظة على الهدوء حتى يستوطن الغراب ربوعَ فلسطين دون عناء .

لم يكن بيدي حيلة سوى أن أُسلم النفسَ لباريها والجسد مكبل من لحظتها, ووجهي توسد البلاط ولتحفتُ بأجسادهم تمتطيني, غريب أن تكون حصانًا عربياً أصيلاً وتعلقُ فيك قرادة ، لا حزن اليوم لكن دمعة المحبين تُكويني وتفركُ بقايا روحي وتكويني، لن أسرد الأحزان هنا لكن التاريخ قد بدأ يعيد دوراتهِ فبعدَ عشرِ سنين لا أذكرُ من معاناتي سوى تلك الأيادي الحاقدة التي تنزلُ على جسدي تشكيلاً وتلويناً بأصناف العذابِ النازع.

الآن أدفعُ ثمن ذلك اليوم, لأعيشَ تواليَ القهر في سجون السلطة الفلسطينية, حتى تتمددُ بي لسنين خمس, وروح وثابة لا تكل ولا تلين لأتحرر بعد معركة الأمعاء الخاوية أيامًا طويلة, عنوانها الحرمان ثمناً للحرية الحمراء, ليست كسائر الحريات بل حرية تجلبُ الموت أو الاعتقال عشقتها بما هي دافعاً لها راضياً بأي ثمن لألهو بإيامي القليلة بين شجرات ِ الزيتون, كيفَ ما كان مخرجُ طفولتي المكبوتة بين دفتي السجن أو الحرمان، بين ليلة وضحاها أفتحُ عيني مشبوحاً في أقبية التحقيقِ الباردة ، من جديد في القدس من في القدسِ إلا أنت تقشعر في رأسي عطفاً لصوت الأذان الأكيد بالقربِ مني أسوار القدس العتيقة تنحني تحت ذرتها قبة ذهبية لامعة تأخذُ تلابيب الناظرين أستمدُ من سطوتها المجد والكبرياء أقارعهم بالصمتِ, فما النصرُ في التحقيق إلا بالصمتِ لأصلَ إلى اليوم موقوفاً على ذمة المحكمة العسكرية, التهمة أن تكونَ فلسطينياً . المصدر أجهزة أمن رام الله، الوجهة النصر أو الشهادة. 

المصدر / إسلام حامد