تتنوع الفرص أمام الدعاة والوعاظ للقيام بدورهم في الدعوة إلى الله، ومع انتشار جائحة كورونا في دول العالم أصبح المجتمع في أمسِّ الحاجة لمن يأخذ بيده إلى طريق النجاة، ويقدم حلًّا للتخفيف من حدة الأزمة، أو يواسون أبناء مجتمعهم في ظل ما يمرون به.
الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية د. زياد مقداد يوضح أن الأصل في زمن انتشار الوباء، أن يلتزم الناس توجيهات وضوابط وزارتي الصحة والداخلية، ويأتي دور العلماء والدعاة في إرشاد وتنبيه الناس الذين لا يلتزمون الإجراءات والضوابط ويستهترون خاصة بعد تخفيف الإجراءات وإعادة فتح المساجد والمطاعم.
ويشير في حديث مع صحيفة "فلسطين"، إلى أن البعض لا يجد أهمية لالتزام الإجراءات الوقائية مع أنها تزداد في ظل تخفيف القيود المفروضة على الحركة وفق تقييم الجهات المختصة، للتسهيل على الناس وهذا لا يعني أن الفيروس قد انتهي أو انقضى.
ويقول مقداد: "يأتي دور الداعية المسلم بتكريس جهوده ومساعيه لخدمة الإسلام ورسالته القائمة على العدل، والخير والفضيلة والبر والإحسان، ويسعى لنشر البشرى والتفاؤل والمحبة بين الناس لقوله تعالى: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (يوسف: 108).
وينبه إلى أن هذه الأزمة هي فرصة الدعاة لإيقاظ الغافلين، واستثارة هممهم، ورفع معنوياتهم، وتصحيح مفاهيمهم الخاطئة عن الإسلام بأسلوب إبداعي مشوق.
ويوضح مقداد أنه يقع على العلماء أيضًا دور في ظل جائحة كورونا هو الاستمرار في تأكيد التزام الإجراءات والضوابط بأنه عبادة واجبة، ووجوبها يتعلق بالحفاظ على أرواح الناس، لكون الحفاظ على النفس من أعظم مقاصد الشريعة، واوجب من الوجبات التي أكدها الإسلام، فهي بعد مقصد حفظ الدين.
ويضيف: "كما عليهم أن يبينوا للناس أن التزامهم الضوابط هو واجب شرعي وصحي ووطني، وضرورة من الضروريات لذلك لا يمكن الاستهتار تحت أي سبب من الأسباب"، ناصحًا كبار السن وأصحاب المناعة الضعيفة بعدم المجيء للمسجد ففي تلك الفترة هو ليس واجبًا ولا مستحبًا، بل قد يكون محرمًا لكونهم قد يودون بأنفسهم إلى التهلكة وينقلون العدوى لهم ولغيرهم لقوله تعالى: "وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (البقرة:195).
ويبين مقداد واجب العلماء بأن يكونوا قدوة بالالتزام في الإجراءات الوقائية، وينبغي في المساجد والمنابر المختلفة أن يبين العلماء الموقف الشرعي من التزام الضوابط الشرعية.
المسؤولية الشخصية والجماعية
بدوره يوضح أستاذ الفقه المقارن المشارك بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية د. ماهر السوسي أن دور الدعاة يكمن في تكريس حديثهم عن حالات تعافي المجتمع، والتزام الضوابط والإجراءات يضمن الحفاظ على ذلك القدر من السلامة.
ويشير في حديث مع صحيفة "فلسطين"، إلى ضرورة تركيزهم على المسئولية الشخصية والجماعية عن صحة المجتمع، التي لها دور في مجابهة الأزمة، وتقع على كل فرد، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته؛ فكلكم راع ومسؤول عن رعيته".
ويتابع السوسي: "مطلوب التركيز على بيان الأحكام الشرعية ومسؤولية الفرد عن أعماله لأنها لا تقتصر على أداء الفروض فقط، بل أيضًا الأداء الاجتماعي والسلوك والذي يخضع للأحكام المقررة شرعًا".
ويكمل بأن ما يقوم به المسلم يتحمل وزره وتقصيره، فهو لا يعيش لنفسه فقط، بل إنه يتحمل تصرفاته، ويكمل المجتمع والمجتمع يكمله، منبهًا إلى أهمية أن ينبه الدعاة للناس المسؤولية الفردية، والتكافل الاجتماعي لتحقيق نتائج إيجابية.