ارتفعت حدة التوتر بين الرئاسة الفلسطينية والسفير الأمريكي في دولة الاحتلال (ديفيد فريدمان) بعد أن لوح الثاني باستبدال رئيس السلطة محمود عباس ما لم يستأنف المفاوضات مع الاحتلال، وهذا ما عدته السلطة تهديدا خطرا يستهدف الرئيس، معتبرة تصريحات السفير الأمريكي إساءة للشعب الفلسطيني وأنه لا يمكن لأي جهة أن تحدد مصيره.
تهديدات أمريكية تأتي في سياق ممارسة الضغوط على رئيس السلطة لدفعه لتبني الرؤية الأمريكية للسلام المسماة (صفقة القرن)، والتي تجد فيها السلطة الفلسطينية مؤامرة تصفوية يمكن أن تجهز على ما تبقى من حلم الدولة، وتقوض المشروع الوطني برمته، وتحولها لسلطة معزولة وهشة فاقدة لأي تأثير فعلي على الأرض، وتنهي نهائيًّا أي فرصة لحلول قادمة عن طريق ترسيخ الاحتلال وإعطائه شرعية، وتغيير دور السلطة واستبدال وظيفتها لتصبح سلطة في مولد لا حس ولا خبر، أو إن شئت فقل سلطة الأراجوز.
هذا وتتحضر القيادة الإسرائيلية لنشوب صراعات محتملة وفق ما سمته (حرب الوراثة) في حال غياب رئيس السلطة محمود عباس، ما يدفعها للخشية من اندلاع مواجهات داخلية فلسطينية في اليوم التالي لغياب عباس، فالوضع في الضفة الفلسطينية لا يحتمل حدوث مثل هذه المواجهة في ظل وضع اقتصادي صعب واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية ما ينذر بوقوع سيناريوهات مختلفة إحداها انفلات الأوضاع الأمنية وتضرر الأمن الإسرائيلي.
وتشير المعطيات في الضفة الفلسطينية إلى أن كثيرًا من الشخصيات داخل حركة فتح تجد في نفسها الأهلية للحلول مكان رئيس السلطة وأبرزهم جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، وماجد فرج رئيس جهاز المخابرات العامة، ومحمود العالول نائب عباس في قيادة فتح، وآخرون ممن يستعدون لهذه اللحظة ولا يعلنون صراحة مواقفَهم خشية من رئيس السلطة وخوفا من دفع الثمن.
إلا أن ظهور هذه الأسماء ونشوة البعض في قيادة فتح للقفز على كرسي الرئاسة يواجه تحديات جسامًا، وهناك معضلات حقيقية تواجه صاحب النصيب والذي يحاول التزوج بجثة مومياء، فالسلطة فعليًّا فقدت دورها وتأثيرها، والرئاسة تقريبًا معزولة إلا من بعض الزيارات البروتوكولية، والاتصالات والبرقيات الشرفية، بعد أن راهنت بل توحدت مع مشروع السلام، وألقت بالبندقية على قارعة الطريق مطمئنة لتحيات الخواجا أو ما اعتدنا تسميته في الحواري شلومو.
حتى عاجلها الخواجا بطلقة الرحمة لتصبح جثة هامدة في صرح جميل يرفرف عليه أعلام دولة الموز، مع مجموعة من ضباط الكومبرس المسرحي بنياشين الحروب التي خاضوها في عقلهم الباطن، يعطون التحية ويعزفون سلام الاستقلال على أصوات وهدير الدبابات بجوار المقاطعة، وسلامًا للباشا الذي حرر الأرض وحمى العرض وأرعب المستوطنين وحطم حصون العِدا بحكمته المتوقدة كما أذكر في الأغنية المدائحية لشخص عباس.
لكن في الحقيقة يبدو أن هناك حراكًا تشارك فيه الدول التي فقدت شرفها من خلال التطبيع مع أطراف دولية لبحث سيناريوهات البديل خلفًا لعباس لاعتبارات مختلفة، فرئيس السلطة طاعن في السن ومريض ويرفض التساوق مع الخطة الأمريكية وأوقف المفاوضات مع الاحتلال ويرفض التطبيع وفق ما هو معلن، وهناك حاجة ماسة لدعم شخصية فلسطينية سواء من الداخل أو الخارج يمكنها التمهيد لتنفيذ الخطة الأمريكية وفرض الهدوء في الأراضي الفلسطينية وإنهاء العمل المسلح ضد الاحتلال والدخول في مفاوضات عاجلة لإقامة دولة الكنتونات.
وعلى أي حال فإن الشعب الفلسطيني لن يقبل (بحكم الكرزاي) وسيفرز قيادة وطنية بعيدة عن المحاصصة والفئوية أو الوصاية، وسيصفع الأرامل وعاثري الحظ صفعة مدوية تجعلهم في أدنى سلم السلطة، لأن شعبنا عظيم ويحتاج زعيما بقدر عظمته وعلى كل الصغار إفساح الطريق قبل أن يصبحوا محطًّا للسخرية.