قائمة الموقع

"صانع السعادة" لم يَعُد "يُحلِّق" فوق أطول دراجة هوائية بغزة

2020-10-17T11:41:00+03:00

لغاية الآن لم تعد عجلات تلك الدارجة شاهقة الارتفاع تدور، هو الآخر لا يقوى على التحليق فوق كرسيها على ارتفاع ثلاثة أمتار عن الأرض، وقد كان يجول فيها زقاق المخيم، والبحر، يتجمع حوله الصغار والكبار، ويلحقون به، ركضًا، أو بدراجاتهم، والآن تفتقد شوارع مخيم المغازي وسط قطاع غزة الشاب علاء الصعيدي (26 عامًا) الملقب بـ"صانع السعادة".

اختلفت حياة علاء وتبدلت واختفت منه الابتسامة التي صنعها على وجوه كثيرين بعدما أصابه سرطان الرئة، عرف عنه "الفرفشة"، وقيادة الجماهير الرياضية في صالات الألعاب يدافع عن فرق مخيم "المغازي" بصوته الذي لا يقوى على إخراجه من حنجرته اليوم؛ لا يسمعه أقرب من حوله.

القيادة من علو كانت مشوقة للشاب علاء، ما دفعه لتصميم دراجته الهوائية بنفسه والتي ترتفع عن مستوى الدراجات الأخرى بنحو ثلاثة أمتار عام 2017م، صنعها بإمكانات يدوية محدودة، كـ"أطول دراجة في القطاع".

بات طريح الفراش، ينخره الألم، نهش جسده السرطان وأفقده نحو 30 كغم غرامًا من وزنه، لم يعُد يقوى على الحركة، في حين عاق واقع الاحتلال تحويله للعلاج خارج قطاع غزة.

كافتيريا بلا افتتاح

"علاء شاب لديه أحلام وطموحات، يحب الضحك والابتسامة والبحر (...)، درس دبلوم التصوير وعمل في شركة إعلامية ولكنه لم يستمر طويلًا، وكان مؤخرًا يستعد لافتتاح كافتيريا خاصة به على مدخل المغازي"، يقول شقيقه حسن لصحيفة "فلسطين".

"الواحد خايف عليه كتير فوضعه خطر"، يبدي خوفه على شقيقه، ويعود بذاكرته للوراء قليلًا: "قبل شهر من اكتشاف السرطان، جهز علاء كراسي خشبية صنعها بنفسه، كان سعيدًا بأنه بات قريبًا من افتتاح مشروعه الخاص، قبل أن يباغته الألم، ظن بالبداية أنها أوجاع عادية وستزول، ومع استمرار الألم أجرينا له عدة فحوصات بمستشفيات خاصة وحكومية، وفي البداية لم يعرف الأطباء ما به، إلى أن تبين إصابته بالسرطان بالرئتين والحلق".

خالطت الدموع صوت شقيقه، ثم تمالك نفسه: "لم نخبره فجأة بإصابته بالمرض، وإنما درجنا الأمر له، وحينما علم سلم لقضاء الله بأن كل إنسان معرض للإصابة بالسرطان (...) اليوم حالته تسوء يومًا بعد آخر، انخفض وزنه كثيرًا، لم يعد ذاك الشاب قوي البني، بجسده النحيل من شدة قلة المناعة وضعف قدرته على الأكل لا يستطيع الحديث".

كيف بيطلع وبينزل عن البسكليت؟ كان هذا السؤال المحير لكثيرين شاهدوا علاء وهو يجول بدراجته الغريبة شوارع مخيمه، الإجابة انتزعت ضحكة من شقيقه، فابتسم صوته طويلًا معها: "كان الحل الوحيد أمامه الصعود على كرسي الدراجة عن سطح منزل بطابق أرضي، ونفس الطريقة عند العودة والنزول".

مواهب متعددة

يستذكر شقيقه ضحكاته، قائلًا: "أخي علاء كان منتميًا لمخيم المغازي ويقود الجماهير لتشجيع فرقها الرياضية، في رمضان يصبح "مسحراتي" المنطقة وعلى مدار الثلاثين يومًا يجول بين زقاق مخيم المغازي، وينادي على كل شخص باسمه، وكان يخصص كلامًا خاصًّا بكل شخص على حدة، في حديثه يجبرك على الضحك والابتسامة، في العشر الأواخر يأتي بفرق المديح وينشدون "طلع البدر علينا" وأناشيد دينية جميلة، يرتدي ملابس "دمى" الأطفال ويشارك بفعاليات متعددة في كل مكان يذهب إليه يصنع السعادة والآن ينتظر من يصنع ويعيد إليه سعادته، يؤدي حركات دبكة الدحية التراثية البدوية بطريقة تجعلك تحبها لديه اختصارات مضحكة في الكلام".

ليس من السهل صنع السعادة، لكن عفوية علاء جعلته يكسب حب أهالي مخيم المغازي، حلق بأحلامه البسيطة فوق دراجته، فرأى جوانب الحياة من نظرة مختلفة؛ الكل كان ينظر إليه، فيلفت الآخرين بدراجته، وحركاته، وعروضه بملابس الدمى أو بالملاعب، كل هذه الأشياء اختلفت الآن منه، على أمل أن ينتصر على السرطان و"تعود السعادة لصانعها".

اخبار ذات صلة