تحتل قضية الأسرى أهمية بالغة داخل وجدان المجتمع الفلسطيني وتتصدر دوما جدول أعمال القوى والفصائل الفلسطينية على اعتبار أن هؤلاء الأبطال هم مغيبون في السجون نتيجة تضحيات متواصلة في مواجهة الاحتلال كي ينعم الشعب الفلسطيني بالحرية والكرامة فكانوا أول من يدفع الثمن وما زالوا على عهدهم وصمودهم مع القضية الوطنية، يخوضون بأمعائهم الخاوية حربا ينتصر فيها الضحية أمام الجلاد في معارك الصمود والإرادة التي فرضت في كثير من الأحيان على سلطات الاحتلال تغيير سياساتها تجاه الأسرى والرضوخ للمطالب.
وفي هذه الساعات يدشن الأسير البطل (ماهر الأخرس) ابن مخيم جنين البطل معركة جديدة مع السجان الإسرائيلي حيث يضرب عن الطعام ويتسلح بأمعائه الخاوية لقهر الاحتلال وإرباكه وإفشال مساعيه في فرض الاعتقال الإداري، حيث فشلت محاولات الاحتلال المتكررة لكسر الإضراب ومنعه من مواصلة طريقه الذي يفرض على الاحتلال وضع حلول عاجلة لقضيته.
الأسير الأخرس لم يكن وحده، فقد تحركت الفصائل الفلسطينية منددة بفعل الاحتلال ورفعت سقفها إلى مستوى التهديد المباشر حال مسّ حياة الأسير أي مكروه، في إشارة فهمها صناع القرار في (تل أبيب) أن الفصائل تستعد لإطلاق الصواريخ والدخول في جولة من القتال، لذلك فإن العدو يجد نفسه مضطرا لمعالجة ملف الأسير الأخرس حرصا على عدم التصعيد.
وفي الوقت ذاته فلا ضمانات محددة حول ما ستؤول إليه الأوضاع فالوضع أيضا متفجر في السجون والانتهاكات بحق الاسرى في تصاعد وحالات القمع والاستهداف لم تتوقف، فالأسير الفلسطيني يخضع للتفتيش العاري، ويتعرض للضرب والاذلال، ويقمع بالهراوات وبالاقتحامات من الوحدات الخاصة، وتصادر أدواته ومعداته الشخصية، ويتعرض للغازات الحارقة والسامة، فضلا عن إرهاب منظم باستخدام الكلاب المتوحشة.
كل ذلك وغيره من شأنه دفع الاسرى للاحتجاج والعصيان والدخول في اضراب جماعي مفتوح لمحاولة الضغط على الاحتلال لتحسين الظروف القاسية التي يتعرضون لها، ومحاولة انتزاع بعض حقوقهم في ظل غياب هذا الملف عربيا ودوليا وفشل السلطة الفلسطينية عن احراز أي تقدم من شأنه الافراج عن الاسرى أو على الأقل التخفيف من حدة الإجراءات ضدهم.
وفي السياق تعمل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها (كتائب القسام) للإفراج عن الاسرى بشتى الطرق ومنها اتباع استراتيجية قتالية خاصة تؤدي لاختطاف جنود إسرائيليين لمبادلتهم بالأسرى، وقد نفذت صفقة مشرفة في وقت سابق (وفاء الأحرار) بينما نجحت مرة أخرى في أسر جنود إسرائيليين تعتزم مبادلتهم في أي صفقة قادمة، ويشكل ذلك أملا للأسرى وذويهم في التحرير من قيود السجان.
الامر الذي يؤكد أن استراتيجية المقاومة حققت إنجازا واضحا في هذا الملف الوطني البارز بينما أثبت المسار السياسي والدبلوماسي للسلطة الفلسطينية عجزه وفشله الدائم وهو يبيع الوهم لشعبنا الفلسطيني، وبالتالي فإن أي مراهنة على حل قضية الأسير الأخرس وزملائه من خلال القوة الناعمة دون شوكة القوة ولهيب البندقية هو رهان مغموس في الفشل.