لم يتقبل الشاب الكفيف مؤمن البيطار فكرة الجلوس في البيت دون ممارسة مهامه الحياتية التي اعتادها يوميًّا، وأصعب ما في الأمر هو أن حظر التجوال حرمه الذهاب إلى النادي لممارسة رياضته المفضلة الكاراتيه، بل أيضًا سيكون له الأثر السلبي في تيبس المفاصل والعضلات التي اعتادت ممارسة التمارين الرياضية دوريًّا.
كان ذلك دافعًا أمامه لإطلاق مبادرة فردية "رياضتك من بيتك"، لاستثمار وقت فراغه، ولتحدي جائحة كورونا، فمارس رياضة الكاراتيه من بيته مستخدمًا قطع الأثاث.
البيطار (20 عامًا)، من مدينة غزة، درس الإعلام رغبة وميولًا لهذا التخصص، ويعمل حاليًّا مقدم برنامج إذاعي خاص بذوي الإعاقة، وناطقًا باسم اللجنة الفلسطينية للدفاع عن الأشخاص ذوي الإعاقة.
أيقن أن الفراغ قاتل للحيوية والنشاط الذي اعتاده، فلم يسمح له أن يطارده، بل أشهر همته في غرفة بيته وبدأ ممارسة رياضة الكاراتيه التي اقتحم عالمها قبل خمسة أعوام، ما دفعه لإطلاق مبادرة خاصة لممارسة الرياضة، وعدم الانقطاع عنها بسبب حالة الطوارئ التي تسود البلاد.
ويوضح البيطار في حديث مع صحيفة "فلسطين" أنه ينشر صوره وهو يمارس الرياضة في البيت رغم قلة الإمكانات التي لا تعيق ممارسته، بل على العكس كانت حافزًا ودافعًا له، وبذلك يرى أنه يضرب عصفورين بحجر واحد، إذ إنه يمارس الرياضة ويشجع الناس عليها بأن الحجر المنزلي وإغلاق النوادي الرياضية بسبب أزمة كورونا لن يمنعاهم من استكمال تمارينهم.
وعادت هذه التمارين بفائدة عليه إذ هيأته للمشاركة في بطولة الكويت لذوي الإعاقة والأسوياء في رياضة الكاراتيه عن بعد (أون لاين) بمشاركة 15 دولة عربية، وحصد فيها المركز الأول، واعتمدت المسابقة على تصوير الشخص نفسه وهو يمارس "كاتا"، وهي عبارة عن مجموعة من حركات الكاراتيه التي يؤديها اللاعب كأن خصمًا يهاجمه.
ويشير البيطار إلى أنه يشترط تصوير الفيديو دون أي مونتاج ليعرض على محكمين دوليين، إلى جانب تصويت الجمهور.
ويذكر أنه لاعب في منتخب فلسطين لذوي الإعاقة لرياضة الكاراتيه، حاصل على المرتبة الثالثة عالميًّا في بطولة دبي الدولية 2016م، وحصد المرتبة الأولى على فلسطين في بطولة فلسطين للعام نفسه، والعديد من الميداليات الذهبية على مستوى محلي.
ويقول البيطار: "كثيرون يعتقدون أن الكفيف هو من فقد القدرة على الإبصار، ولكن برأيي إن من تغلب على إعاقته وتحلى بالعزيمة والإرادة فقد أبصر كل شيء حوله، حتى لو كانت الدنيا حوله ظلامًا حالكًا".
بداية التحاقه برياضة الكاراتيه كانت بعد تلقيه دورة مدة أسبوعين، أعطته العزيمة والإصرار، فجعلته يعشق ممارستها، رغم أنه لم يعرف ماذا تعني وكيف لعبها، وبعد إنشاء أول مركز رياضي للمكفوفين في 2008 التحق بالدورة ثمانية أشخاص.
هنا بدأ التحدي من سيصمد ويتعلم طريقة التدريب من طريق برنامج الإدراك الحسي، وهو برنامج خاص بذوي الإعاقة البصرية، إذ إنه يعلمهم كيفية حفظ القاعة الموجودين فيها والاتجاهات واتباع مصدر الصوت ليتمكنوا من اللعب والتحرك بأريحية.
ويلفت البيطار إلى أن المدرب كان يقوم بعمل حركة، والمتدرب يتلمس طريقة أدائها ليتمكن من تطبيقها، فكان الأمر يأخذ منه وقتًا وجهدًا.
فعالم الكاراتيه استطاع بفضل إرادته وعزيمته أن ينشله من العزلة إلى التحدي والمشاركة في المسابقات، ليس فقط على الصعيد المحلي بل العالمي أيضًا.
ولم يخلُ مشواره من الصعوبات التي واجهته: صعوبة التنقل، وسوء الوضع الاقتصادي، وإغلاق المعابر الذي حرمه المشاركة في عدة بطولات بدول مختلفة.
ورغم المعيقات والإعاقة حقق البيطار العديد من الإنجازات ليوصل رسالة للعالم والمجتمع: "لا يوجد إنسان معاق بل يوجد مجتمع معيق، وبإرادتنا نتحدى العالم لنرفع علم فلسطين في كل المحافل العربية والعالمية، وأتوجه أيضًا برسالة للمؤسسات الرياضية أنها لو توفر المكان والوقت المناسبين للأشخاص ذوي الإعاقة لأصبحنا أبطالًا وعباقرة مثل الأدباء العرب الذين نقرأ لهم الكتب".
ويدعو ذوي الإعاقة لممارسة حياتهم الطبيعية والرياضية، "حتى نقول للعالم إن الإعاقة لا تلغي الطاقة"، طامحًا أن يكون مدرب كاراتيه عالميًّا، ويوصل رسالة أشخاص ذوي الإعاقة، ويصل إلى أعلى المراتب في رياضة الكاراتيه.