لم تتخيل آية أبو عون، في يوم من الأيام أن تحرمها السلطة في رام الله، من حقها في التوظيف بذريعة ما يعرف بـ"السلامة الأمنية".
وتقدمت أبو عون قبل نحو شهرين لوظيفة في مديرية التربية والتعليم في قباطية قضاء جنين بالضفة الغربية، بعد الإعلان عن شواغر، وحصلت على الترتيب الثاني في امتحان ومقابلات التوظيف، ورغم أن الفرصة كانت حليفتها للحصول على الوظيفة، لكن لم يحصل ذلك، وفق ما قاله والدها نزيه أبو عون.
وذكر أبو عون لصحيفة "فلسطين" أنه وبعد مراجعته وزارة التربية والتعليم، عقب ملء الشواغر التي كانت من نصيب ابنته بعدما كانت مرشحة لها، أُبلغ بمراجعة الأجهزة الأمنية التي تقف خلف الرفض، وفق ما أبلغته الوزارة بذلك، وعند مراجعتها أبلغته بأن آية ممنوعة من التوظيف لدواعٍ سياسية.
وتواصل أبو عون، وفق قوله، مع عدد من الجهات المعنية وأطلعهم على المشكلة التي تعرضت لها ابنته، والتي تتزامن مع الحديث عن استعادة المصالحة وإنهاء الانقسام، داعيًا الجميع للوقوف عند مسؤولياته وتهيئة الأجواء لإتمام المصالحة الوطنية، وعدم حرمان أحد من حقه في الحصول على الوظيفة.
ملاحقة مستمرة
ولا يختلف الحال كثيرا عن الأسير المحرر إبراهيم نواهضة، وهو من مخيم جنين، الذي فصل من عمله كمسؤول التوثيق والمتابعة بوزارة الداخلية في رام الله عام 2007، على خلفية انتمائه السياسي.
وقال نواهضة لـ"فلسطين": إنه محروم من العمل في الوزارات الحكومية بموجب توصية من الأجهزة الأمنية، طوال السنوات الماضية، ما دفعه للبحث عن بدائل أخرى لتوفير قوت أسرته، لكنه لم ينجح بسبب ملاحقته المستمرة من السلطة.
ويضيف أن الأجهزة الأمنية أغلقت المركز المتخصص الذي أنشأه لتحفيظ القرآن الكريم وتعليمه عام 2007 بسبب الانقسام، وصادرت كل ما في داخله، حتى الستائر.
واضطر نواهضة، الذي أمضى نحو 10 أعوام في سجون الاحتلال، وكان رفيقا لمؤسس حركة حماس الشيخ الشهيد أحمد ياسين في سجنه، للعمل كبائع تمور طوال 14 عاما، من أجل تأمين قوت أسرته المكونة من تسعة أفراد، إلى جانب تأمين احتياجات والدته وشقيقته اللتين تقيمان معه بمنزله في مخيم جنين.
ويدعو نواهضة حركتي فتح وحماس لتحقيق المصالحة الوطنية من أجل الحفاظ على القضية الفلسطينية والتصدي للمؤامرات التي تعصف بها، ووقف حرمان أبناء الشعب من حقهم في الحصول على وظائف.
متابعة القضية
وبعد نشر الكاتب والمحلل السياسي علاء الريماوي رسالة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وجهها لنائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري وأمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب، حول قيام المؤسسات الرسمية باستخدام "السلامة الأمنية" في التوظيف، تواصل معه مكتب الرجوب وأكد معالجته الموضوع.
وأكد الريماوي لـ"فلسطين" أن عددا من الوزارات كوزارات الأوقاف والتربية والتعليم والصحة رفضت توظيف عدد من المتقدمين للعمل فيها على خلفيات سياسية.
من جهته، نفى وكيل وزارة الداخلية برام الله يوسف حرب، المعلومات التي تتحدث عن عودة "السلامة الأمنية" في الضفة الغربية فيما يتعلق بالوظائف.
وقال حرب في تصريح له إنه لا يوجد أي نهاية توظيف في الضفة الغربية، كما أنه لا يوجد أي سلامة أمنية لأي موظف، لافتا إلى أن العمل سار حسب الإجراءات السابقة ولا يوجد أي إجراءات جديدة بهذا الخصوص، على حد قوله.
وأشار إلى عدم ورود أي معلومات حول إنهاء التوظيف لأي موظف أو فرض سلامة أمنية في الضفة خلال الفترة السابقة.
حرمان الكفاءات
من جهتها، أكدت الناشطة في حقوق الإنسان سهى جبارة، أن السلطة تحرم المئات من الخريجين من الالتحاق بسوق العمل خاصة في المؤسسات الرسمية وآخرين تم فصلهم تحت مسمى "السلامة الأمنية".
وبينت جبارة لـ"فلسطين" أن المؤسسة الرسمية تطلب من المتقدمين للوظائف إحضار شهادة "حسن سلوك" من جهاز الأمن الوقائي أو المخابرات للالتحاق بالعمل، ويتم منع بعضهم من الحصول على تلك الشهادات بسبب انتمائهم السياسي.
وذكرت أن المئات من الخريجين والكفاءات غادروا البلاد بحثا عن عمل في الخارج بسبب إجراءات السلطة التي تضعها للمقبلين على العمل على خلفية انتماءاتهم السياسية أو انتماء أحد أفراد الأسرة لأحد التنظيمات الفلسطينية.
وأشارت إلى أن العديد من الكفاءات باتت تعمل في مهن بسيطة وشاقة كسائق على مركبة أجرة أو أعمال النجارة أو الحدادة بعد فشلهم في الالتحاق بالوظائف؛ بسبب انتمائهم السياسي.
وحثت السلطة في ظل أجواء المصالحة على وقف حرمان المواطنين من الالتحاق بالمؤسسات الرسمية وسوق العمل على خلفيات سياسية، وتوظيف الكفاءات ووضعها في المكان المناسب.
وكان مجلس الوزراء الفلسطيني أصدر عام 2012، قرارا يقضي بوقف شرط "السلامة الأمنية" للتوظيف في المؤسسات العامة بالضفة الغربية، حيث اعتبرت مؤسسات حقوقية الشرط "ذا أثر سلبي على منظومة حقوق الإنسان في فلسطين".