قائمة الموقع

أخلاقيات "الحجر المنزلي" لضمان استقرار الأسرة

2020-10-12T16:26:00+03:00

من المعلوم أن الأسرة هي أساس المجتمع والزوجان هما عماد الأسرة، فالزواج رباط وثيق وميثاق غليظ، والحياة الزوجية إنما شرعت لتستمر، ولهذا مدح الله المؤمنين، فقال (سبحانه وتعالى): "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ" (الفرقان:74).

ولكن الحجر المنزلي الذي فرضه انتشار فيروس كورونا داخل المجتمع الغزي منذ أواخر آب (أغسطس) أدى إلى نشوب خلافات ومشاكل بين بعضٍ، بسبب المكوث ساعات طويلة داخل البيت، فما الأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها الزوجان لتسيير مركب الحياة نحو بر الأمان؟

يقول رئيس فرع رابطة علماء فلسطين عدنان حسان: "الإسلام جاء ساعيًا لتكوين أسرة قوية في المجتمع الذي هي أساسه، لذلك قال (تعالى): "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم:21)".

ويضيف حسان لصحيفة "فلسطين": "تكوين الأسرة مبني على المودة والرحمة فيما بين الزوجين، والحياة بينهما هي رحلة طويلة استمرارها منوط بإخلاص الزوجين، فابتسامة الزوج تدخل إشراقًا على الأسرة، وابتسامة الزوجة تدخل السعادة على عائلتها".

ويؤكد أن السعادة لا تتحقق إلا بالتضحية والبذل والعطاء وسعة الصدر والصبر، ومن أسبابها المعاشرة بالمعروف، فالمعروف ليس الامتناع عن إيقاع الأذى، بل صبر كل شريك وتحمل الآخر، إذا وقع منه الأذى.

ويبين حسان أن كلًّا من أفراد الأسرة عليه أن يقوم بما عليه من واجبات وأن يراعي ما عليه من حقوق، قال (تعالى): "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" (البقرة:228)، لذا يجب أن يحترم الزوج زوجته والعكس أيضًا، والأبناء يجب أن يحترموا آباءهم والعكس أيضًا، وهذا يضفي على الأسرة الجمال والطيبة والمحبة.

ويلفت إلى أهمية أخذ الزوج مشورة زوجته، قال (تعالى): " وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" (آل عمران: 159)، وليس كما يقول بعضٌ: "شاوروهن وخالفوهن"، أما مفهوم القوامة الذي يتعلل به بعض الرجال فالمراد بها ليس الاستعلاء والاستبداد بل إنما النفقة على الأسرة، وعليه تصحيح وتصويب المسار ليس منفردًا ولا متسلطًا.

ومن الأخلاقيات التي تصلح الأسرة كذلك يذكر حسان إصلاح العلاقة بين العبد وربه لجميع أفراد الأسرة، فإذا نشأ خلاف فعليهم الإصلاح، لقوله (تعالى): "فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ" (الأنفال: 1)، فإن الصلح يذيب حظ الشيطان من وقوع وضياع الأسرة.

ويشير إلى أن الاهتمام بالمشاعر الإنسانية إنما هو من أخلاق المسلمين لما يترتب عليه من حسن المعاشرة والثناء والمدح من الزوج لزوجته حتى يشعرها بقيمتها وقيمة العمل الذي قامت بها، ما يعزز معنوياتها، وهي يجب أن تشعره بحبها وتوددها له وحسن تبعلها معه، ما يرفع منسوب المحبة بينهما، وهذا من خلق النبي الذي كان يمدح أزواجه إذا ما قمن بعمل أو صنعن شيئًا.

ويحث حسان الأزواج على مساعدة زوجاتهن في أعمال البيت، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) كان في خدمة أهل بيته، فكثير من الرجال يقضون ساعات طويلة في البيت في مدة الحجر المنزلي بسبب انتشار فيروس كورونا. ش

ويدعو إلى التلفظ بالكلمة الطيبة؛ فهي صدقة، قال (صلى الله عليه وسلم): "تبسمك في وجه أخيك صدقة".

الحياة المستقرة

من جهته يقول الداعية أحمد زمارة: "الحياة المستقرة هي هدف الزواج وغايته، وعلى الزوجين أن يتحليا بطاعة الله ولزوم هدي محمد (صلى الله عليه وسلم) حتى تستقيم الحياة".

ويضيف زمارة لصحيفة "فلسطين": "ولكن ليست حياة تخلو من مشاكل وسوء تفاهم بين أي شريكين، وهذا أدعى بين الزوجين لطول المخالطة والمعاشرة بينهما، وخصوصًا في أيامنا هذه، والناس تعيش في ظروف غير طبيعية ومخالفة لعادات كثير من الأسر، في الحجر المنزلي".

ويكمل: "لما كانت الحياة كذلك لا تخلو من المشكلات أرشدنا القرآن والشرع الحكيم لما نقوّم به حياتنا ونتغلب به على مشكلاتنا، أولى هذه الخطوات التدخل الأسري بالإصلاح بين الزوجين حتى تجاوز الخلاف، إن الإصلاح بين الزوجين، وبين المختلفين عمومًا من أعظم القربات إلى الله (تعالى)".

ويدلل زمارة على ذلك بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟"، قالوا: "بلى"، قال: "إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين".

ويذكر زمارة أنموذجًا من السيرة النبوية وهديه (صلى الله عليه وسلم) في معالجة المشكلات الزوجية، فجاء ﷺ مرة إلى بيت فاطمة، فلم يجد عليًّا، فأحس بشيء، فلم يقل لفاطمة: أين زوجك؟، وإنما قال: "أين ابن عمك؟"، فسأل عن المنزلة والقرابة، قالت: "كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج ولم يقل عندي"، أي: القيلولة لم تكن عندي، فماذا فعل النبي ﷺ بعدما أشار إليها من طرف خفي إلى حفظ العلاقة؛ لأنه من الأقارب والأرحام، سأل عن علي أين هو؟، فأخبره إنسان أن عليًّا في المسجد راقد، فجاء رسول الله ﷺ، وعلي مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه ترابٌ، فجعل رسول الله ﷺ يمسحه عنه ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب، فكانت أحب الكنى إلى علي.

ويختم زمارة: "إذا ما تحاب الزوجان صلحت الأسرة، وإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع".

اخبار ذات صلة