عدَّ المدير العام لمؤسسة الحق لحقوق الإنسان شعوان جبارين، شروع المحاكم الفلسطينية في إجراء محاكمات ضد الاحتلال الإسرائيلي على انتهاكاته ضد المواطنين "منحى جديدًا"، على الرغم من مجيئه متأخرًا.
وأكد جبارين في مقابلة مع صحيفة "فلسطين" ضرورة أن يكون القضاء الفلسطيني عنوان اشتباك مع الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين.
وأعلن وزير العدل في حكومة رام الله محمد الشلالدة، أن المحاكم الفلسطينية ستشرع في إجراء محاكمات ضد الاحتلال على انتهاكاته ضد المواطنين في الأراضي الفلسطينية، مشيرًا إلى أنه سيتم الاستناد في تلك القضايا إلى المواثيق الدولية في مجال حقوق الانسان، قائلًا إنه "لن يفلت أحد من القانون والعقاب".
وبيَّن جبارين أن أسباب تأخير محاكمات الاحتلال هي سياسية أبرزها اتفاقية (أوسلو)، والتي قيّدت كثيرًا القضاء الفلسطيني من خلال الاتفاقات التي وُقعت بشأن اختصاص القضاء، حيث نزعت منه محاسبة المجرمين الإسرائيليين.
وقال: "لا توجد أي قاعدة من هذا النوع في العالم، يُمكن ألَّا تُجيز لقضاء وطني عدم ملاحقة جريمة حرب أو ضد الانسانية"، لافتًا إلى أن جرائم الاحتلال تقع ضمن هذا الإطار وهي خطيرة، "لذلك لا يحق تقييد القضاء في انصاف الضحايا وملاحقة المجرم".
وعدَّ أن الذهاب بهذا الاتجاه في هذه المرحلة "تعبير عن تغير في الإرادة السياسية من جهة، وفشل إنصاف الضحايا الفلسطينيين أمام القضاء الإسرائيلي من جهة أخرى".
ونبّه إلى ضرورة أخذ الاعتبار بألَّا تؤثر هذه المحاكمات في مسائل قانونية أخرى لأجسام قانونية دولية مثل محكمة الجنائيات الدولية، وهي التي تتفاعل حاليًا وتطلب التحقيق على قاعدة عدم انصاف الفلسطيني أمام القضاء الإسرائيلي.
قضايا مدنية
وكان شلالدة أوضح أن القضايا التي سيتم التركيز عليها لجبر الضرر على المواطنين سواء في قضايا الاعتداء على أراضيهم أو احتجاز جثامين الشهداء لما في ذلك من أثر نفسي على الأهالي، وتضرر المواطنين وإصاباتهم بفعل ممارسات جنود الاحتلال.
وأيّد جبارين ملاحقة القضايا المدنية والجرائم الإسرائيلية المرتكبة ضد المواطنين لتعويض خسائرهم، مؤكدًا ضرورة إعطاء القضاء الفلسطيني أرقام وإحصاءات بالمبالغ المستحقة على الاحتلال.
وأشار إلى أن النظر في هذه القضايا لا يسقط البُعد الجنائي، مشيرًا إلى وجود سلسلة طويلة من انتهاكات الاحتلال في هذا النوع.
وعدّ هذا الحراك بمنزلة "تمرين للقضاء الوطني الفلسطيني ويستدعي توحيد القضاء بين غزة والضفة، والنظر بشمولية".
ورأى جبارين أن هذا الحراك يحقق نتائج معنوية وأخرى على المدى البعيد، لكن دون إحداث تغيير على الأرض، "لأنه لا يُمكن اعتقال ضابط إسرائيلي ارتكب جرائم ضد الفلسطينيين أو متورط بها"، حسب تعبيره.
وأضاف: "حان الوقت للقضاء الفلسطيني أن يتفاعل مع هذه المسائل، حيث سيكون جزءًا من الالتزامات المستحقة على دولة الاحتلال"، منبهًا إلى أن (أوسلو) أضعفت دور القضاء الفلسطيني رغم انضمام فلسطين لاتفاقيات دولية.
وبحسب المدير العام لمؤسسة الحق لحقوق الإنسان، فإن فلسطين انضمت لاتفاقيات جنيف بما فيها الرابعة، بالتالي أي ارتكاب لجرائم تعد جسيمة وهي جرائم حرب بموجب المادة 146 فيها، وعلى القضاء الفلسطيني ملاحقة المجرمين "لكن لا يستطيع ذلك".
وذكر أن قانون العقوبات الفلسطيني لم يشتمل على تعريف وتطوير هذه الجرائم، متابعًا "منذ عام 2008 وُضع على طاولة رئيس السلطة محمود عباس مشروع قانون عقوبات جديد، ولم يتم إقراره حتى الآن".
وأعرب عن أمله بأن تُجرى انتخابات شاملة بما فيها المجلس التشريعي للوقوف أمام كل هذه المسائل واحتياجات الفلسطينيين، والأخذ بالاعتبار خضوع الأراضي الفلسطينية للاحتلال وانضمام فلسطين لأكثر من اتفاقية دولية، كي يتمكن من ملاحقة مجرمي الحرب.
حملات التشويه
في سياق ذي صلة، استهجن جبارين، استمرار حملات التحريض الإسرائيلية ضد مؤسسات حقوقية فلسطينية على خلفية توجهها ورفعها دعاوى في المحكمة الجنائية الدولية، ضد وزراء وضباط إسرائيليين من مرتكبي الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
وقال الحقوقي الفلسطيني: "هذا مسار مستمر لا نلتفت له، والهدف منه تقييد المؤسسات الحقوقية واسكاتها وترهيبها"، مستدركًا: "لكننا ماضون في طريقنا ولن تثنينا محاولاتهم عن الاستمرار في السعي لتحقيق العدالة لشعبنا وملاحقة المجرمين".