أظهرت الأبحاث أن الاضطرابات النفسية والأمراض العقلية تميل إلى تعطيل حياة الناس حتى أكثر من الأمراض الجسدية، كما يقول د. مارك إس كومراد، الطبيب النفسي ومؤلف الكتاب الممتاز "أنت بحاجة إلى مساعدة" خطوة بخطوة لإقناع الشخص المحبوب بالحصول على المشورة.
في المتوسط، يكون الشخص المصاب بالاكتئاب أكثر إعاقة بنسبة 50% على الأقل من شخص مصاب بالذبحة الصدرية أو التهاب المفاصل أو الربو أو السكري، وفقًا لتقرير صادر عن مجموعة سياسات الصحة العقلية التابعة لمركز الأداء الاقتصادي، حسبما أورد تقرير لموقع "صحتك" الإلكتروني.
وكلما زادت درجة الاضطراب أو المرض زاد عزوف المصاب عن التماس المساعدة المتخصصة، وبذلك إن المصابين بالأمراض العقلية هم الأكثر عزوفًا عن التماس العلاج، والخبر السار هو أن علاجات الأمراض العقلية فعالة جدًّا، والخبر السيئ هو أن واحدًا فقط من كل ثلاثة أشخاص قد يطلب المساعدة بالفعل، وتشير بعض الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدة هم أقل احتمالية للحصول عليها.
يقول كومراد: "إن الناس يفهمون أنه لا يمكنك علاج تورم في ثديك بمفردك، لكن هذا الفهم نفسه لا يمتد إلى الاضطرابات النفسية والأمراض العقلية"، مضيفًا: "إن الاعتماد على الذات متأصل بعمق في نفسية مجتمعنا، ويصبح ذلك مشكلة عندما يُنظر إلى أي شيء عكس الاعتماد على الذات -مثل التبعية- على أنه ضعف وشيء يجب أن تخجل منه، كما أن الناس قد يقلقون بشأن الظهور بمظهر ضعيف إذا طلبوا المشورة، وقد يحولون تلك الوصمة إلى الداخل ويرون أنفسهم ضعفاء".
رادع كبير آخر هو الافتقار إلى البصيرة، وكثير من الأشخاص المصابين بالمرض العقلي (أو مرضى الذهان تحديدًا) لا يعتقدون ببساطة أنهم مرضى، وهذا هو السبب في أنه من الأهمية بمكان أن تتدخل العائلات والأصدقاء لمساعدة أحبائهم على إدراك أنهم بحاجة إلى طلب المشورة.
ويتابع كومراد: "لا تقلق بشأن "التدخل" في حياتهم، بدلًا من ذلك، لديك الفرصة والقوة لتحسين حياتهم، وفي بعض الحالات إنقاذها".
وهناك إستراتيجيات يمكنك استخدامها إذا كان أحد أفراد أسرتك يعاني مرضًا عقليًّا (ذهانًا) مثل الفصام والاضطراب الثنائي القطب، ولكن الإستراتيجيات نفسها يمكن أن تستخدم مع المصابين بالاضطرابات النفسية الشديدة.
إشارات التحذير
يسرد كومراد العلامات المحددة -جنبًا إلى جنب مع أمثلة من الحياة الواقعية- التي تشير إلى أن الفرد يحتاج إلى المساعدة، هذه بعض العلامات:
سلوك يخيفك، مثل مزاج شديد الاضطراب، ومشاكل في الاعتناء بأنفسهم أو تنظيم سلوكهم، مثل تجاهل النظافة الأساسية أو الانخراط في أعمال متهورة أو الشرب والتصرف بعدوانية، ومشاكل في التفكير، مثل الارتباك أو رؤية أو سماع أشياء لا يفعلها أي شخص آخر أو نسيان حقائق مهمة.
المشاعر الشديدة، مثل القلق العميق من مغادرة المنزل، ومشاكل في التفاعل مع الآخرين، مثل الانسحاب من الأشخاص الذين يحبونهم، وعدم القدرة على العمل، مثل عدم الاحتفاظ بوظيفة أو انخفاض الدرجات بشكل ملحوظ، والمعاناة من صدمة، مثل إساءة معاملة طفل أو موته.
في النهاية، المفتاح هو البحث عما يسميه كومراد "تغييرًا في خط الأساس"، وبمعنى آخر، هل يتصرف من تحب بشكل مختلف في أي مجال من مجالات حياته، ومن ذلك العمل أو المنزل؟، قال كومراد: "إنه ليس من غير المألوف رؤية شخص ينهار في المنزل".
كيف تتواصل مع من تحب في المراحل المبكرة؟، يقترح كومراد الطرق التالية للتواصل مع من تحب بشأن طلب المساعدة في المراحل المبكرة من المرض العقلي.
دع من تحب يعرف أنك بحاجة إلى إجراء محادثة مهمة معه، وبرأي كومراد، إن هذا يساعد على تركيز انتباههم ويعني أنهم يجب أن يأخذوا الأمر بجدية.
اختر الوقت والمكان المناسبين، وعلى سبيل المثال، تجنب الحديث في أثناء التجمعات العائلية أو في أثناء القتال.
اقترب منهم بتعاطف، قد تقول شيئًا مثل: "أعلم أن هذا صعب حقًّا عليك، لكنني أتحدث إليك لأنني أحبك، إذا لم أكن أهتم، فما كنت أجري هذا الحديث معك الآن".
كن مستعدًا لأن ينزعج الشخص، وحاول ألا تتخذ موقفًا دفاعيًّا.
استخدم جمل "أنا"، مثل: "أنا قلق عليك".
اطلب منه أن يمنحك هدية، وهديتك هي طلبه المساعدة، بمناسبة ذكرى يوم ميلادك أو زواجك أو أي مناسبة سعيدة، ويمكنك أن تقول عبارات شبيهة بالعبارات التالية: "الحصول على استشارة طبيب نفسي بشأن تقلبات مزاجك سيكون أفضل شيء يمكنك القيام به في ذكرى ميلاد ابنتنا الصغيرة، إنه أفضل من أي شيء آخر يمكن أن تقدمه لها، من فضلك، افعلها لها، هي، أكثر من أي شخص آخر، بحاجة إليك للحصول على بعض التوجيه والمساعدة المناسبة، مساعدة أكثر مما يمكنني أن أقدمه لك".
تسهيل العملية بإيجاد محترف وتحديد موعد، حتى لو رفض الذهاب، وراجع الممارس، وتحدث معه عن مساعدة من تحب، واعرض دفع ثمن الموعد، إن أمكن، إذ إن العذر الشائع هو أن العلاج باهظ الثمن.
لا تستخدم كلمات مثل "مجنون" أو "غير طبيعي".
اتخاذ تدابير أقوى
عندما يكون لدى الشخص العزيز عليك القليل من التبصر في مرضه (تتضاءل عقلانيته أو يرفض الحصول على المساعدة) فستحتاج إلى اتخاذ تدابير أقوى، ويسمي كومراد هذه الإستراتيجيات "الإكراه العلاجي"، وهو أقرب إلى الحب القاسي.
ويقول إن الأداة القوية خاصة هي أن تشرح لمن تحب أن العائلات لديها امتيازات ومسؤوليات معينة، وعلى سبيل المثال، إذا كنت والدًا يدعم ابنه ماليًّا، فاستفد من هذه الامتيازات لحمله على البحث عن تقييم ودعم احترافي من متخصص.
يقول كومراد: "إن لم يفلح ذلك، وكان أحد أفراد أسرتك يشكل خطرًا على نفسه أو على شخص آخر أو كان مريضًا جدًّا، فاتصل بالسلطات".
