استمعت لتسجيل صوتي للشيخ صالح العاروري وتأملت بعناية شديدة ما يقول وكأني أراه أمامي، الرجل وقد ظهر في صوته التعب في إثر اصابته بفيروس (كورونا) لكن هذا الصوت كان ممزوجًا بالحنين إلى الوطن، وقد ساد الألم مع الأمل في حديثه ورسالته السياسية التي وجهها لكل وطني غيور، غير أن بعض (نوبات السعال) المتطفلة كانت تزاحم الشيخ صالح في أثناء الكلمة إلا أنه تغلب عليها وواصل التنظير للمسار الوطني بكل وضوح.
فالحديث ينقلك تدريجيًا من مرحلة لأخرى، ومن خطوة إلى دوافعها ومبرراتها الوطنية، وقد راعى ضيق الوقت لإجمال الفكرة، وعدم إرهاق المتلقي وحتى تحصل الفائدة المرجوة، كل ذلك في (دقائق عشر) أجملت خطورة المرحلة الراهنة، وأهمية الذهاب إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني عاجلًا، وجدية الحوارات الجارية مع حركة فتح وقيادة السلطة، والرؤية الشاملة لإحداث اختراق نوعي يؤسس لإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية بما يناسب أهدافنا الوطنية.
وما يلفت انتباهك أكثر أن الشيخ صالح لا ينظر للمحاصصة، أو التنافس الانتخابي، ولم تظهر في لغته صيغة المغالبة السياسية، أو تعنيف الآخر وتحميله المسؤولية، إنما التركيز المتواصل على الشراكة والإنقاذ والبناء مستشعرًا خطورة الوضع الراهن الذي يفرض على الجميع التكاتف وطي صفحة الخلاف، وتجاوز جراح الماضي من أجل القضية الوطنية.
فالبدائل قد تكون خطرة إن فوَّتنا الفرصة الحالية، أو أجهضنا الحوار الوطني وعطلنا المسار المنطلق، لان ذلك ربما يشكل فرصة لأطراف دولية وعربية لفرض وصايتها على شعبنا وتأسيس نظام سياسي يتعارض وظيفيًا ووطنيًا مع التضحيات والمتطلبات الوطنية.
نعم هذا ما يمكن أن يحدث وأكثر من ذلك، لذلك فإن المسؤولية تقع على كل الأطراف الفلسطينية لحماية الحراك القائم، ودعمه سياسيًا وإعلاميًا وبكل الوسائل المتاحة، لأن سفينة الإنقاذ تبحر والجميع وجب عليهم مساندتها في رحلتها في مواجهة الرياح العاتية التي بدأت تهب في غير موسمها لتخويف الأطراف والضغط عليهم للتراجع.
فحرص وغيرة الرجل والذي لا يتحدث (ترفًا أو ارتجالًا) في ظل وجوده في أعلى سلم المكتب السياسي لحماس يعكس رأي الحركة ورغبتها الجامحة، وقرارها الاستراتيجي نحو إحداث تطور نوعي في هذا الملف بل على الصعيد الوطني عمومًا، للتفرغ لمواجهة المخاطر والتحديات من خلال جبهة وطنية موحدة تكون معافاة من كل الجراح.
فهذه الخريطة الوطنية التي رسمها الشيخ صالح أنارت العقول وأضاءت القلوب وفتحت الأذهان الغيورة وشحنت معنويتها لمواصلة النضال في هذا الطريق، وهيأت أجواء من الإيجابية التي يلمسها الجميع للخروج من الكابوس الراهن، فهل ستكون حركة فتح بهذا القدر من المسؤولية وتواصل سيرها إلى منتهى الطريق حتى إتمام هذا المسار؟! أم أنها ستبقى مترددة تتقدم كالسلحفاء عين على الحراك الوطني وعين أخرى على الانتخابات الأمريكية، فإذا ما أفرزت وجهًا جديدًا فإن حركة فتح ستفسخ العقد وتنفض يدها لتعود لسيرتها الأولى؟!
صحيح أنهم حتى الآن يظهرون حرصهم على الحوار لوجود قواسم مشتركة، لكن الثابت أنه لا يوجد لديهم ثوابت، بل يقفون على رجل ونصف في منتصف الطريق مترددين بين هذا وذاك! هكذا عهدناهم في سنين (أوسلو)، فهلَّا غيروا عهدهم من أجل الوطن والجرح النازف.