قائمة الموقع

6 سنوات في البحث عن حل "لغز الاختفاء".. جراح أهالي مفقودي "سفينة الإسكندرية" تتجدد

2020-10-08T12:53:00+03:00
d7ef2dcb-d69b-440a-9cc7-bf11d4568463.jpg
فلسطين أون لاين

ست سنوات مرت وكأنها جبال تجثم على صدرها منذ حادثة اختفاء آثار والدها؛ ظلت تبحث عما يبرد قلبها بخبر، أو صوت، أو صورة، تتخبط أفكارها بين أمواج الخوف العاتية، تبحث عن شاطئ ترسو عليه بأشواقها التي نهشتها مرارة الغياب أو الاختفاء، أو الفقد؛ فكلها توصل إلى المعنى نفسه أن والدها يتنفس في مكان "مجهل" عنها، لا تعرفه!، وصلتها إشارات كثيرة تؤكد أنه حي "يرزق"، ولم يصبه مكروه، إلا أنها تريد سماع  صوت والدها ياسر عابد (أحد مفقودي سفينة الإسكندرية 6/9).

تحتفظ هديل في ذاكرتها، بآخر كلمات حدثها بها والدها قبل اختفاء آثاره، في 5 أيلول (سبتمبر) 2014م، ما زالت تذكر ما قاله لها: "بابا؛ هيني الآن بمرسى مطروح، ادعوا لي"، وكان مقررًا أن يغادر مع شقيقها رائد على متن سفينة مصرية من الإسكندرية في اليوم التالي، تحمل 450 شخصًا من فلسطين وسوريا ومصر والسودان، عدد منهم من قطاع غزة، إلا أن آثارهم اختفت ولم تظهر أي معلومات رسمية حتى اللحظة توضح مكان اختفائهم الذي بقي "لغزًا" لدى عائلات المفقودين التي تمتلك دلائل وشواهد كثيرة تؤكد أنهم أحياء.

اتصال وإحياء الآمال

"أبي سافر بعد عدوان الاحتلال على غزة إلى مصر عند بيت جدي؛ فهو يحمل الجنسية المصرية، واختفت آثاره، ولكن في 30 أيلول (سبتمبر) 2014م اتصل والدي على الهاتف الأرضي لبيت جدتي بالقاهرة وقال بصوت خافت: "أنا ياسر، أنا بخير"، وانقطع الاتصال، وبعد 10 دقائق عاد واتصل مرة أخرى، وسمعت جدتي صوت أشخاص قبل أن ينقطع الاتصال، ذهبنا إلى شركة الاتصالات المصرية دون أن نتمكن من الكشف عن الرقم".

علامات كثيرة وصلت العائلة تؤكد أن والدها بخير، تقول هديل: "بعد مدة ظهرت صورة لوالدي على بارجة إنقاذ إيطالية نشرها حساب مجهول لنا، على مجموعة خاصة لأهالي المفقودين في "فيس بوك"، معها عدة صورة، وظهرت صورة لوالدي، وهذا يؤكد ما ورد في تقرير للمفوضية المصرية للحقوق والحريات".

وجاء في إحدى فقرات التقرير الذي اطلعت "فلسطين" عليه: "وفقًا للشهادات التي جمعتها المفوضية من ذوي المفقودين إننا نؤكد أن السلطات الإيطالية قد أنقذت عددًا كبيرًا من المهاجرين واللاجئين والأطفال، ثم سلمتهم للسلطات المصرية التي احتجزتهم بمركز "الأنفوشي" في مدينة الإسكندرية منتصف سبتمبر 2014م"؛ على حد ما جاء في تقرير المفوضية المصرية.

"نحن نعتقد أنها لم تكن سفينة واحدة بل سفينتين؛ فمن الصعب أن يكون كل هذا العدد (450 مسافرًا) على متن سفينة واحدة" تقول هديل.

"بابا؛ يا عمري، والله محتاجينك كتير، إذا بتشوف رسائلنا رد علينا لو كلمة، أو حرف، بس نفهم أنه إنت عايش لسه، الله يخليك فهمنا مين اللي بشوف الرسائل، والله قلوبنا بتنحرق على غيابك" لم تكل هديل أو تمل من إرسال الرسائل عبر تطبيق ماسنجر لحساب والدها الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، كان تؤمن أنه سيراها يومًا ما، حتى تفاجأت عام 2017م أنه عرضت الرسائل السابقة وقرأها الطرف الآخر، فضلًا أن حالة حساب والدها في (فيس بوك) تظهر اتصاله (أون لاين).

تقول هديل عن وضع والدها: "بعد مدة ورد للعائلة نبأ أنه بمستشفى عسكري في مصر، وتحدث له عدة نوبات سكر؛ فهو يعاني مرض السكر وارتفاع ضغط الدم".

قبل أيام تداول أهالي المفقودين صورة يعتقدون أنها التقطت بمركز شباب "الأنفوشي" في الإسكندرية، ونشرت ضمن تقرير على موقع منظمة  (Global Detention Project)، ويعود تاريخ نشرها لعام 2018م، العديد منهم أكدوا أنها تعود إلى أبنائهم، ومثلت علامة أخرى ودليلًا آخر على أنهم أحياء، مطالبين بالإفراج عنهم.

"في الصورة المذكورة موجود صورة لشخص ملامحه قريبة جدًّا من ملامح أبي"، فتحت الصورة جرح أهالي المفقودين من جديد، يبحثون عما يفك "لغز الاختفاء".

تنهدت بمرارة تبكي غياب والدها: "أبي كان الأغلى على قلبي، كسرني غيابه وأوجع قلبي، وأخي رائد آخر العنقود، من يوم فقدانهما غابت الضحكة عن البيت واختفت الفرحة، كل لحظة تمر أشعر أن أبي معي، مرت ست سنوات تعذبت قلوبنا من الانتظار (...) أرسلت لأبي رسائل كثيرة على الماسنجر "أفضفض له" عن اشتياقي لكوني الأقرب لقلبه، وفي عام 2017م تفاجأت أن الرسائل التي أرسلها له تقرأ، وتفاجأت أن جميع الأهالي الشيء نفسه يحدث معهم؛ تقرأ رسائلهم".

صورة تبرد القلب

هنا؛ تتصفح والدة الشاب مهند أبو لظن (36 عامًا) أحد مفقودي السفينة، الموجودة حاليًّا في بلجيكا، هاتفها المحمول قبل أن تتوقف عند صورة "الأنفوشي"، تأملت في الصورة لحظات قبل أن تقف مشدوهة تحدق بصورة: "هدا مهند!"، لحظة امتزجت فيها دموع الفرح بالحزن، تلقي باللعنات على كل من غيب ابنها عنها.

"شفت صورة مهند، أصابتني صدمة، الشخصية نفسها، والوجه والملامح" هكذا عاشت أبو لظن على وقع تلك الصورة، تقول لصحيفة "فلسطين": "تحدثت مع مهند عصر الجمعة الخامس من أيلول (سبتمبر) 2014، وأخبرني أنه بين مدينتي مرسى مطروح والإسكندرية".

وقبل أن تغلق الهاتف، طلب مهند من والدته عدم الاتصال به، لذا لم تتصل به، وظلت صامدة أمام ذبذبات الخوف التي يصدرها قلبها، حتى عصر اليوم التالي قبل أن ترفع الهاتف وتتصل به مرة واثنتين وعشرة دون استجابة، عندها أيقنت أن هناك شيئًا ما حدث.

"إحنا متأكدين أنهم عايشين، حساباتهم الفيس بتفتح (اتصال أون لاين) وكل الرسائل تقرأ" يمثل هذا الشيء بنظر العائلات "دليلًا على وجودهم أحياء، إذ لا يعقل أن تعمل الهواتف لو سُلّم برواية الغرق"، ما يؤكد أنهم موجودون.

عام 2016م سافرت والدة مهند إلى مصر للبحث عن نجلها، وعن ذلك تقول: "التقيت نائبة مصرية، وأخبرتني بكل صراحة ووضوح أنهم "موجودون أحياء" في مكان دون تحديده"؛ على حد قولها.

هنا تخرج تنهيدة أم مكلومة مرفقة بكل أنواع الوجع بلهجة عامية: "حرام نضل هيك، ست سنوات مرت، أعصابنا مش متحملة، هم إيش ذنبهم؟! (...) ابني تزوج وبعد ثلاثة أشهر قرر هو وزجته السفر مع الوضع الاقتصادي الصعب؛ بسبب الحصار".

"أما آن الأوان لفك لغز الاختفاء؟!" سؤال يطرحه أهالي المفقودين على كل ضمير حي لا يزال ينبض بالإنسانية ولم تمت بداخله الرحمة بعد، أمام احتراق قلوب الأمهات على أبنائهن.

 

 

 

اخبار ذات صلة