أكثر من خمسة أشهر مضت، ولم تتسلم السلطة في رام الله أموال المقاصة، وسط عجز واضح في إدارة أزمتها المالية، انعكست فصولها السلبية على مفاصل الاقتصاد الفلسطيني المنهك. فإلى أي مدى يمكن للسلطة الصمود بعد أن وصلت استدانتها المحلية إلى أقصى حد، وتراجع الدعم الخارجي.
وترفض السلطة تسلم المقاصة بداية من عائدات شهر مايو من الاحتلال الإسرائيلي حتى اللحظة، تنفيذاً لإعلان الرئيس محمود عباس، الانسحاب من الاتفاقات مع حكومة الاحتلال.
وتعد أموال المقاصة، مصدر الدخل الأبرز، لحكومة رام الله، و تشكل نسبتها 63% من اجمالي ايرادات الحكومة.
وبسبب تراجع الإيرادات المالية تواصل حكومة رام الله، صرف، (50%) من رواتب موظفيها، بما لا يقل عن (1750 شيقلا).
ويقول الاختصاصي الاقتصادي د. بكر اشيبه، إن السلطة والاحتلال على ما يبدو أنهما يراهنا على الوقت لصالحهما وترك المجال للوسطاء.
وبين اشتيه لصحيفة "فلسطين" أن السلطة تراهن على اعطاء مزيد من الوقت لكي يتمكن الوسطاء في تمكينها من استعادة أموال المقاصة بحيث تحفظ "ماء وجها".
وأشار إلى أن السلطة إن لم تحقق أي هدف سياسي أو اقتصادي من وراء رفض أموال المقاصة خلال تلال الفترة فإنها ستكون في مزق شعبي.
وأضاف اشتيه أن الإحتلال بدوره يراهن على تعرض السلطة لضغوطات داخلية من جانب السكان خاصة طبقة الموظفين، والإرجاعات الضريبية للقطاع الخاص، حيث أن هذه الضغوطات ستدفع بالسلطة للعدول عن قرار التعنت في استلام أموال المقاصة.
ويتساءل اشتيه ما إذا سيكون للحكومة نفس أطول من الاحتلال أو أنها تحتفظ بأوراق ضغط لم تظهرها بعد في معركتها مع أموال المقاصة.
ووفق أرقام ميزانية فلسطين2019 فإن متوسط قيمة أموال المقاصة الشهرية (655) مليون شيقل، بينما بلغت قيمتها في 2019 ككل، نحو (7.868) مليارات شيقل.
والمقاصة، هي عائدات الضرائب الفلسطينية التي تجبيها حكومة الاحتلال نيابة عن السلطة، على واردات الأخيرة من الاحتلال والخارج، مقابل عمولة .
من جانبه يعتقد الاختصاصي الاقتصادي محمد أبو جياب، أن السلطة استنفدت كل وسائل المساعدة في إدارة ملف المقاصة وأنها قد تواجه صعوبة في إدارة أزمتها مع قادم الأيام.
وقال أبو جياب لصحيفة "فلسطين" إن استدانة السلطة من المصارف المحلية والوافدة وصلت إلى اقصى درجة، كما أن التمويل الدولي لخزينة السلطة محدود حيث انقطع أكثر من 80% منه، فيما أن الايرادات المحلية تقلصت بسبب الإغلاق المترتب عن الاجراءات المتخذة للحد من جائحة كورونا.
وأضاف أن السلطة كانت تعول على الاستدانة من البنوك المحلة مدة ثلاثة أشهر اقصى حد لسد العجز الناتج عن توقف استلام أموال المقاصة، لكنها اليوم تدخل الشهر الخامس على التوالي وهي تواجه الأزمة.
وشدد أبو جياب على أن السلطة مقبلة على أيام أشد صعوبة إن بقيت أموال المقاصة عالقة، والايرادات المحلية والمنح في تراجع، مشيراً إلى أن وصول السلطة إلى مرحلة غياب القدرة على الإنفاق يهدد مصير السلطة واستمرارها.
ورسم رئيس الوزراء برام الله محمد اشتيه صورة قاتمة عن الوضع المالي للسلطة الفلسطينية، أثناء الاجتماع الأسبوعي الأخير لحكومته، ولم يكن لديه ما يقدمه للموظفين سوى دعوات الصبر والصمود.
وقال اشتيه في كلمته، إن الإدارة الأميركية و الاحتلال يشنّان "حرباً مالية" على السلطة الفلسطينية لدفعها إلى قبول شروط التفاوض على أساس مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، المسمى "صفقة القرن".
وأضاف أن إدارة ترمب أوقفت المساعدات المالية المباشرة للسلطة، وقيمتها 500 مليون دولار سنوياً، وأن الدول المانحة أوقفت مساعدات مماثلة قدرها 350 مليون دولار، مشيراً إلى أن الإيرادات الداخلية تراجعت أيضاً بنسبة 60 في المئة جراء تراجع النشاط الاقتصادي بفعل كورونا.
وذكر اشتيه أن حكومته لجأت إلى الاستدانة من البنوك المحلية من أجل توفير 50 في المئة من رواتب الموظفين، مشيراً إلى أنها تحصل على قروض شهرية قدرها نحو 120 مليون دولار، بفوائد كبيرة.