قائمة الموقع

"عاشقة للتفاصيل".. "لمى" طبيبة "تتلذذ" بفن البورتريه

2020-10-04T15:01:00+03:00
لمى السوسي

زميلاتها في المدرسة أطلقن عليها لقب "بيكاسو الصف" حينما كانت ترسم أي شخصية كرتونية خلال بضع دقائق، كانت لمى السوسي سعيدة بنفسها قبل أن تظهر أول "صفعةٍ" لها في طريق الفن حين تحدّتها إحدى زميلاتها في الجامعة أن ترسم وجهها.

ما بقي أمام لمى خيار إلا أن تقبل التحدي لتكون أول تجربة لها في رسم البورتريه (رسم الوجوه)، عندها علَت نبرات "السخرية" بهذا العمل: "أتسمين هذا بورتريه؟!، انظري إلى رسم "فلان"، ذاك من يتقن الرسم حقًّا".

ما كان من لمى إلا أن تضحك مثلهن وكأنها تقبلت المزاح بصدر رحب، في حين تجوبُ رياحُ الغصّةِ دواخلها دون توقف، لتعتكف لمى على "فن رسم الوجوه" ليلًا ونهارًا، علَّها تثبتُ لنفسها جزءًا من الحقيقة التي شُكِّكَ بها على العلن.

لمى السوسي، طالبة طب أسنان بالمستوى الرابع؛ ذلك أنّ هذا الاختصاص هو "علمٌ وفن"، لتنعكس قدرات لمى الاحترافية على دراستها، فتجد أن طب الأسنان والفن يدعمُ كلٌّ منهما الآخر ويسيران بالتوازي.

"عينٌ ناقدة"

"قررتُ أن أخصص وقتًا يوميًّا للرسم من الثانية عشرة إلى الثانية صباحًا، حتى خلال أيام الدوام الجامعي" تتحدث لمى خلال دردشة مع صحيفة فلسطين، مُسترجعةً أيامها الأولى حين بيّتتْ العزم على وضع أولى خطواتها في مشوار الاحتراف.

كانت أخت لمى هي موضوع لوحاتها الثلاث الأولى، بعدما صححت مسار رسمها ودقة تفاصيلها عن طريق التكرار والتعديل بين كل لوحة والتي تليها.

أيضًا تابعت لمى محترفي الرسم المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتعرف إلى طرق الرسم المختلفة وأدواته المتعددة التي رأتها لأول مرة، فلم تتردد أن تسأل عن اسم كل أداة ومدى أهميتها، لتكوِّن حينها معرفة عامة ونظرة شمولية عن أصل الموضوع وثانوياته.

قررت لمى بعد عامين من التعلم والتدريب الذاتي أن تضع قدميها على الأرض وتُقَيَّم قدراتها بواقعية، فتوجهت إلى أحد مراكز تعليم الرسم بعدما سجلت في إحدى دوراته، تقول: "شعرتُ أني طورتُ نفسي بما فيه الكفاية وحان وقت ملء "النواقص"، فسجلت بدورة "المبادئ"، وكانت المفاجأة عندما قيَّمني المدرب وقال إني لا أحتاج للدورة؛ فلدي كل الأساسيات".

لكن المدرب عندما وجد لمى مصرّة على التعلم قرر أن يطلعها على "لمسات" احترافية معينة، وعلّمها أساليب جديدة توظفها في أعمالها الفنية بعدما عثر على بذرة الاحتراف فيها وقيَّمها بـ"صاحبة عين ناقدة"؛ ذلك أنها تصطادُ بعينيها الحركات والأساليب من الوهلة الأولى.

تحتفظ لمى بكل أوراق رسمها بـ"التواريخ" منذ بداية مشوارها حتى الآن، وخطواتها نحو الاحتراف تمتثل نصب أعينها عندما ترى التدرج من رسم "الأنمي" واصلةً إلى رسم "البورتريه" بالشكل المتقن.

"أردتُ أن أُثبت لنفسي أني قادرة على تعلم أشياء جديدة، فدراستي لطب الأسنان ليست ميزة، ذلك أن هناك "مليون" طبيب أسنان غيري، ولكن ما يميزني عنهم هو الفن" تصفُ لمى بصوتٍ يملؤه الحماس وقد باتت تقطع شوطًا ممتازًا في سباق الاحتراف.

إدمانُ التفاصيل

"عاشقة للتفاصيل" هكذا تصف لمى نفسها، وهذا ما يعبر عنه موضوع لوحاتها مكتظة التفاصيل، فتوصلُ للناظر المشهد كاملًا دون حاجةٍ للبحث عن أصلِ الصورة أو ما وراءها.

غلب على لوحات لمى درجات اللون الرمادي؛ ذلك أنها مقتنعة بأن من يتقن الرسم بـ"الفحم" يتقن جميع الألوان، كما تميلُ للرماديات لأنها تشعر بحقيقتها وأنها "قريبة من القلب"، فيُضفي عليها البهوت لمسةً عاطفيةً خاصة.

كما تنحاز لمى إلى رسم العيون خاصة، وتواصل الحديث بتلذذٍ: "تفاصيل العين تجذبني كثيرًا، فلكلِّ عينٍ إيحاءاتها المبطنة التي تغريني لرسمها، ثم تليها تفاصيلُ الجِلد".

تدّخرُ لمى مصروفها لتوفر ثمن أدوات الرسم الباهظة: "بعض الناس يظنون أني أنفذ رسوماتي بقلم الرصاص فقط لأنها رمادية، ولكن في الحقيقة أن الرسم بالفحم يحتاج إلى أدواتٍ كثيرة وباهظة كبودرة الفحم، وبودرة الرصاص، والفرش، وأدوات الدمج، وغير ذلك".

ومع حظر التجول الذي فُرض على المواطنين في قطاع غزة للوقاية من فيروس كورونا استثمرت لمى أوقات فراغها، وبدأت تستقبل طلباتٍ للرسم عبر الإنترنت، فتكون المبالغ المالية التي تجنيها "مالًا دوارًا"، تُعيد تدويره لشراء أدوات جديدة ومتطورة أكثر حتى تتقن رسوماتها أكثر.

وهذا لا يُعد "مشروعًا اقتصاديًّا ناجحًا"، لكن لمى تأخذه على عاتقها من باب "التغيير والتسلية"، "لا توجد لدينا ثقافة دفع مبالغ مالية مقابل "رسمة"، لهذا أنا لا أنظر إلى الرسم من جانب اقتصادي، على العكس تمامًا أنا أتقن عملي أكثر عندما أرسم من تلقاء نفسي لا تحتَ الضغط والطلب" تتحدث كمن يكسر قيودًا تُكبِّلُ حرِّيته.

لا تتركُ لمى "التغذية البصرية" التي ساعدتها كثيرًا لتطور مهاراتها في الرسم حتى هذه اللحظة، فموضوع التركيز والمراقبة له دورٌ مهم.

رسمت لمى عشرات اللوحات، ولكن لوحة "محمود درويش" التي رسمتها على مدى عامٍ كامل تستوقفها بشكلٍ مميز، "لوحة درويش رسمتها على مراحل، في كل مرة أضيف إليها شيئًا جديدًا، أمسح وأعدل، فأشعرُ أنها تختزل ليالي طويلة قضيتها بين الرسم والتعديل والتعلم" تتحدث لمى واصفةً أقوى عملٍ فنيٍّ لها.

وتُشير إلى أنها تميل لـ"الرسم الحر" أكثر منه للمنتظم، مطلقةً العنان ليدها لتخرج ما بدواخلها على الورق دون قيود.

تسعى لمى إلى الانتقال من مرحلة الرسم بالفحم إلى الرسم بالألوان خلال الأشهر القادمة، لكن التحديات ما زالت تقف نصب أعيُنها؛ فبجانب الأسعار الباهظة للألوان وأدواتها، لا تتوافر لديها المساحة المناسبة إذ تنفذ معظم لوحتها وهي تتربع "فوق السرير"، وهذا لا يُناسب الرسم بالألوان الزيتية التي تحتاج إلى مكان منعزل نوعًا ما، فتوضح لمى: "لا بدَّ من ابتكار الحلول البديلة، دومًا ما أشعرُ أني أتقلدُ مسؤولية الشغف، وكأن التقدم عندي هو مسألةُ حياةٍ أو موت".

اخبار ذات صلة