رغم أننا نثمن عالياً جلسات الحوار الأخيرة والتطورات الإيجابية بخصوص المصالحة والتقدم الذي تم بين الفريقين، وتمنياتنا لها بالتوفيق والنجاح، فإن الكلام الذي نسمعه في الإعلام عن تصدر الانتخابات للمشهد القادم، واعتبارها مدخلاً للمصالحة ومفتاحاً للحل يضع أمامنا علامات استفهام عديدة يجب أخذها بعين الاعتبار، خاصة فيما يتعلق بالضفة الغربية المحتلة... فالوضع في الضفة ليس ناضجاً حتى الآن لهذه الانتخابات، فلم يتغير شيء على أرض الواقع، فما زال الاعتقال السياسي والاستدعاءات السياسية قائمة حتى هذه اللحظة. وما زالت الحملة على النواب المحسوبين على التغيير والإصلاح ودائرتهم الشخصية مستهدفة هم ومن عمل معهم في الدعاية الانتخابية قبل 14 سنة وحتى المواطنين العاديين الذين انتخبوا قائمة التغيير والإصلاح. وما زالت الإجراءات القمعية التي تعرض لها أبناء الحركة الإسلامية خاصة طوال الـ 14 سنة الماضية قائمة حتى الآن، خاصة المحررين والموظفين المفصولين، وما زالت السلامة الأمنية هي من يحدد توظيف أي خريج أو موظف في الوظيفة العمومية أو حتى في القطاع الخاص. فالحكم في الضفة الغربية حكم عسكري تتولى الأجهزة الأمنية فيه متابعة كل حركة وكل سكنة، والمواطن فيها لا يشعر بالحرية أو الأمان لأن العيون كلها مفتوحة عليه إن خالف سياسة هذه الأجهزة.
بصراحة إذا لم تتغير الأحوال في الضفة الغربية ولم تتغير الظروف الأمنية فيها لفترة كافية بحيث يشعر المواطن بالأمن والأمان على حرياته، وإذا لم ينتهِ شعوره بالخوف من ممارسة حقه في العمل السياسي وشعوره بالخوف على مصالحه وأمانه الاجتماعي والاقتصادي فلن تكون الظروف مهيأة لهذه الانتخابات التي نسمع عنها، فلن نجد أحداً مثلاً يعمل في الدعاية الانتخابية للتيار الإسلامي، أو يرفع لهم راية أو يحمل بوستراً أو... أو... ، فمعظم الذين عملوا معهم عام 2006م تم الانتقام منهم، وتم غسيل دماغهم بحيث إنهم لن يجرؤوا على العمل معهم ثانية. والجيل الجديد تم تدجينه فكرياً وسلوكياً من خلال المدارس والجامعات والمخيمات الصيفية والبرامج التربوية الخاصة بحركة فتح (طبعا لا يسمح لغيرهم بممارسة أي نشاط منذ 14 سنة).
شخصياً خلال الأسبوع الماضي فقط تم استدعاء اثنين من القريبين مني من قبل جهاز المخابرات، وتم التحقيق معهم عن محاولات مفترضة لإعادة التنظيم في المنطقة ودور النائب في ذلك، وتم سؤال إمام المسجد من قبل ضابط المخابرات عن سبب قيامي بإلقاء خطبة الجمعة دون إذن، رغم أنهم يعلمون أنني اضطررت لإلقاء خطبة الجمعة بسبب غياب الخطيب المناوب، وقامت قيامة مديرية الأوقاف في محافظة سلفيت بسبب هذه الخطبة (طبعاً بتوجيهات من أجهزة الأمن). وقبل قليل سمعت من أحد أقربائي (طالب في جامعة النجاح) أن إحدى المؤسسات رفضت قيامه بالتدريب العملي فيها لاستكمال إجراءات التخرج، وفوجئ حين أخبره أحد أفراد تنظيم فتح في البلدة أن سبب رفضه هو كونه قريب النائب في التشريعي.
النتيجة أن الانتخابات لن تكون هي مفتاح الحل إن بقيت الظروف الحالية بالضفة الغربية على ما هي عليه، وليست هي وحدها ما يخرج القضية الفلسطينية من مأزقها، بل من المتوقع أن تزيد القضية تعقيداً، وقد يتعمق الانقسام أكثر وأكثر في أثناء الانتخابات وبعدها. وإن حصلت هذه الانتخابات حقاً في ظل هذه الظروف فلن تكون انتخابات نزيهة، ولن يأخذ كل تنظيم حقه في النتائج، ولن تعبر هذه الانتخابات بأي حال عن قناعات وتوجهات المواطنين في الضفة الغربية نتيجة لسلوك وسياسات الأجهزة الأمنية وحركة فتح، وكل الشواهد والأحوال الحالية والمتوقعة تؤكد أنها ستكون انتخابات مزيفة.
طبعاً كل هذا عدا عن سياسات الاحتلال وما يتوقع منه من إجراءات ضد المرشحين والعاملين في الدعاية الانتخابية ونشاطاتهم وتحركاتهم (وما اعتقال النائب حسن يوسف الليلة الماضية عنا ببعيد). فعن أي انتخابات يتحدثون؟ وكيف ستكون هذه الانتخابات حلاً لمشكلة الانقسام وخروجاً من المأزق السياسي القائم حالياً ما دامت الظروف الموضوعية في الضفة الغربية على حالها؟