رفض معظم الكتاب والمفكرين العرب اتفاقية أبراهام من جذورها، وتأسس الرفض على فكرة عدم الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني، وعدم التطبيع معها، طالما تحز سكين الاحتلال في عنق الفلسطينيين والعرب معاً، ورفض بعض الكتاب والمفكرين العرب فكرة المصالحة بلا ثمن، والتطبيع المجاني، ورغم هذا الرفض البائن، فقد لاحظت عدم انشغال الكثير بالتفاصيل، من منطلق ما فسد كله فقليله فاسد، وقد يكون هذا المنطق مقنعاً، ولكن واجب التدقيق في بعض البنود قد يفتح العقل على ما هو قادم من خطر، يتعدى الحاضر إلى المستقبل، ويتعدى حدود دولة الإمارات والبحرين، ليرسم معالم مرحلة سياسية ستشهد المزيد من سفك الدماء العربية، وذبح مواردهم الاقتصادية.
سأدقق هنا في بعض بنود الاتفاقية ذات المدلول الاستراتيجي:
1ـ يقول البند الرابع من اتفاقية أبراهام: يتعهد الطرفان باتخاذ الخطوات اللازمة لمنع أي أنشطة إرهابية أو عدائية ضد بعضهما البعض في أراضيهما، أو انطلاقاً منها، وبرفض أي دعم لمثل هذه الأنشطة في الخارج، أو السماح بمثل هذا الدعم انطلاقاً من أراضيهما، كما يتعهد الطرفان بمناقشة هذه الأمور بانتظام، وإبرام اتفاقيات وترتيبات مفصلة بشأن التنسيق والتعاون.
هذا البند يتحدث عن التنسيق والتعاون الأمني بين البلدين، ولا يستهدف في مضمونه غير محاربة المقاومة الفلسطينية، أكانت شعبية أم مسلحة، ويحول هذا البند دون تقديم أي دعم مالي أو سياسي للشعب الفلسطيني، بل ويحض على مطاردة ومحاسبة أي داعم للشعب الفلسطيني من داخل دولة الإمارات وخارجها، وهذا البند مفتوح للنقاش بما سيخدم المصالح الإسرائيلية المحضة، وسيتحقق ذلك تحت بند التنسيق والتعاون الأمني.
2ـ يدعو البند السابع إلى الانضمام إلى الولايات المتحدة لتطوير وإطلاق "أجندة استراتيجية للشرق الأوسط" من أجل توسيع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والاستقرار في المنطقة وغيرها من أشكال التعاون الإقليمي.
هذا البند بمثابة موافقة تامة على صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي، فالشرق الأوسط الجديد، والاستراتيجية الأمريكية تقوم على تصفية القضية الفلسطينية، وإشراك كل من مصر والأردن ولبنان في تحمل المسؤولية عن حياة اللاجئين الفلسطينيين، والموافقة على تبادل الأراضي وفق ما طرحت ذلك صفقة القرن، ومن ثم، على دول الخليج العربي التمويل المالي لبنود صفقة القرن.
3ـ البند التاسع، وقد جاء فيه: يتعهد الطرفان بالتزاماتهما بهذه المعاهدة، وبصرف النظر عن أي وثيقة لا تتوافق مع هذه المعاهدة. ويوضح كل طرف للآخر أنه لا يوجد تضارب بين التزاماته في المعاهدات التي يلتزم بها وهذه المعاهدة، ويتعهد الطرفان بعدم الدخول في أي التزام يتعارض مع هذه المعاهدة.
هذا التعهد بمثابة عقد قران لا فكاك منه، فلا يكتفي هذا البند بشطب التزام دولة الإمارات بما جاء في مقررات جامعة الدول العربية، وبما ورد من بنود مقاطعة وعدم اعتراف، هذا البند يتجاوز الحاضر إلى المستقبل، حيث قيد مستقبل الإمارات بالالتزام بكل بنود الاتفاقية الموقعة مع إسرائيل، ويلزمها بعدم تجاوزها بأي اتفاق آخر مع أي دولة أخرى على طول المدى، لقد حجزت هذه الفقرة على مستقبل دولة الإمارات لصالح إسرائيل، وأطلقت يد إسرائيل لتقرر شكل الاتفاقيات المسموح لدولة الإمارات أن تعقدها مع الدول الأخرى.
4ـ الأغرب في بنود الاتفاق ما جاء في البند 11، والذي حدد التفاوض طريقاً لحل الخلافات الناشئة عن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة، وأي نزاع من هذا القبيل يصعب تسويته عن طريق التفاوض، يحال إلى التوفيق أو التحكيم، وهنا باتفاق الطرفين.
هذا البند الذي حدد المفاوضات طريقاً لحل الخلافات، ضيق على دولة الإمارات المخارج من الاتفاقية، فالمفاوضات لعبة الإسرائيليين، وقد تكون التجربة الفلسطينية الفاشلة في المفاوضات على مدار 27 عاماً خير مرشد لدولة الإمارات، ولاسيما أن التوفيق أو التحكيم الوارد في البند في حالة الخلاف، لا يحدد أي مرجعية قانونية، أو دولية، كما حدث في اتفاقية كامب ديفيد التي اختارت التحكيم الدولي وقت الخلاف، هنا يحل الخلاف عن طريق التوفيق، والتراضي بين الطرفين، وفي ذلك تغليب لمنطق الإسرائيليين ومصالحهم.
وبعيداً عن التدقيق في المبادئ العامة التي وردت في مقدمة اتفاقية أبراهام، وما جاء فيها من ذكر لشعبين اثنين؛ عربي ويهودي، لتتساوى هنا القومية العربية مع القومية اليهودية، وفي ذلك اعتراف بقانون يهودية الدولة، وتجاهل للشعوب الأخرى في المنطقة، وقد استذكرت المقدمة معاهدات السلام بين دولة إسرائيل وجمهورية مصر العربية وبين دولة إسرائيل والمملكة الأردنية الهاشمية، وتجاهلت عن عمد اتفاقية أوسلو، وما للتجاهل من علاقة بصفقة القرن.