لم تكن محاولة اغتيال الأخ المجاهد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في 25 أيلول / سبتمبر عام 1997 محاولة الاغتيال الأولى لقيادي فلسطيني .
فالتاريخ الوطني الفلسطيني شهد عمليات اغتيال ومحاولات اغتيال كثيرة. منها القادة الثلاثة في بيروت ابو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر عام 1973. ومنها عملية اغتيال القائد أبو جهاد الوزير في تونس عام 1988 ومنها محاولات اغتيال أبو عمار وغيره من القادة.
محاولة اغتيال الأخ خالد مشعل حملت الكثير من المعاني والدلالات.
قبل الخوض في المعاني والدلالات، لا بد من التوقف عند المناخ السياسي والأمني السائد في تلك الفترة.
فقد مثل دخول حركة حماس إلى ساحة الصراع المباشر والمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1987 عنصرا مهما في العمل الوطني الفلسطيني. فقد تحولت حماس خلال سنوات قليلة إلى عامل مؤثر وقوة أساسية ذات مستوى شعبي وحضور سياسي وعمل ميداني عبرت عنه الانتفاضة والعمليات المتواصلة.
وبعد مؤتمر مدريد عام 1991 واتفاق أوسلو عام 1993 صارت حماس قوة أكثر تأثيراً بفعل رفضها لنتائج هذه الاتفاقيات.
منذ عام 1993 حتى تاريخ محاولة الاغتيال، واجهت حماس سياسياً وشعبياً وإعلامياً اتفاق أوسلو لأنها رأت فيه إلغاء للحقوق الفلسطينية ولنتائج الانتفاضة.
ثم بعد جريمة اغتيال المهندس يحيى عياش عام 1996 تصاعدت الهجمات العسكرية التي نفذتها كتائب القسام، واستهدفت عمق الاحتلال بعمليات تفجير قوية حطمت صورته، وأحدثت خللاً أمنياً كبيراً وخسائر اقتصادية، وهشمت عملية التسوية.
الخسائر الكبيرة التي مني بها الاحتلال بعد التفجيرات في القدس والخضيرة والعفولة وغيرها، دفعت عددا من دول العالم برعاية امريكية لعقد مؤتمر في شرم الشيخ في شهر آذار / مارس 1996 الذي أعلن الحرب على ما سمي (الإرهاب). والإدارة الأمريكية قررت في تلك الفترة محاصرة حماس وملاحقة قيادتها كعملية اعتقال الدكتور موسى ابو مرزوق عام 1995 من قبل الأمريكيين.
نتنياهو الذي جاء في تلك الفترة بعد انتخابات أسقطت شمعون بيريز بدأ يتنصل من التسوية ويتعهد بالحل الأمني.
خطط الاحتلال للكثير من الاجراءات لإجهاض المقاومة: قمع في الداخل الفلسطيني وزيادة عمليات الاغتيال والاعتقال والهدم والطرد.
في الخارج قرر الاحتلال تصفية الشخص المتهم بالتحريض و قيادة العمليات التي نفذت ضد الاحتلال وفي العمق الصهيوني.
أهداف كثيرة دُرست.. لكن نتنياهو اختار خالد مشعل، في مغامرة سياسية وأمنية ضارباً عرض الحائط بالاتفاقيات الموقعة حديثا مع الأردن عام 1994 وبالعلاقة مع الملك حسين، ومتجاوزاً نصائح عدد من مسؤولي الأجهزة الأمنية.
نقل نتنياهو معركة المواجهة مع حماس إلى خارج فلسطين.. تحول مهم، لأن الهدف يستحق.. في نظر الاحتلال.
كانت اللائحة المستهدفة تتضمن عدة أسماء. نتنياهو أصر على خالد مشعل للأسباب الثلاثة التالية كما كشف لاحقا: مشعل مسؤول عن التجنيد والتمويل وتحريك الخلايا من الخارج.
قناعة نتنياهو تقاطعت عند خالد مشعل.. عليه أن يدفع الثمن.
الهدف كبير.. الصيد المتوقع ثمين جدا.. المكسب السياسي لنتنياهو وحكومة الاحتلال كان يغري نتنياهو بالمغامرة.. وبتجاوز خطوط دقيقة محظورة سياسيا وأمنيا ..
الرد على الضربات والعمليات النوعية الخارقة التي نفذت عامي 96 و 97 كانت غير معتادة بنوعيتها ونتائجها.
الرد في نظر الإسرائيليين كان يتركز على مستوى قيادي رفيع يقنع الإسرائيليين بالرد وقد يكبح جماح حماس ويرفع قيمة نتنياهو داخليا..
إرادة الله حمت خالد مشعل. يقظة السائق والمرافق أفشلت الجريمة.
سقط الموساد الإسرائيلي في شوارع العاصمة الأردنية. مرافق مشعل ألقى القبض على جزء من الخلية الإرهابية التي سممت مشعل.. بعدما لاحقهم في الشوارع حيث انضم له الناس.
مرافق مشعل أمسك عناصر الموساد في شوارع عمان كالدجاجات الخائفة.
الملك الأردني حسين بن عبد الله اعتبر أن نتنياهو تجاوز كل الخطوط الحمر ولم يحترم اتفاق السلام: عليه أن يدفع الثمن.
كانت اياماً صعبة جدا على نتنياهو والمجرم داني ياتوم رئيس الموساد حينها.
لكن إصرار الملك حسين وبالتنسيق مع حماس أجبر الاحتلال على الإفراج عن الشيخ الإمام احمد ياسين.
تحسنت صحة مشعل.. خرج الشيخ احمد ياسين من سجون الاحتلال.. اكتسبت حماس شعبية سياسية.. تعرضت التسوية لضربة شديدة.
يومها سقط الموساد امام حركة حماس.
محاولة الاغتيال كانت صعبة لكن حماس تخطتها وظلت متمسكة بنهجها المقاوم.
لم تتراجع حماس وتقدمت في مشروعها السياسي والوطني.. وتعزز مشروع المقاومة وتمكنت حماس بفعل تضحيات رجالها وقادتها وحولها الاجماع الشعبي والفصائلي من الانتصار في عدة حروب.. وهي اليوم قائدة العمل الوطني..
دفعت حركة حماس اثمانا كبيرة على طريق الحرية : الامام الشيخ احمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي واحمد الجعبري وجمال منصور وجمال سليم ومحيي الدين الشريف وغيرهم غيرهم من الرجال والابطال.