يملك مراد يونس ثلاث طرق لصيد الأسماك، لكنه لا يزال محرومًا من ممارستها في بحر غزة بسبب الظروف الطارئة التي فرضتها جائحة فيروس "كورونا" وما رافقها من إغلاق شبه كامل في القطاع الساحلي المطل على الأبيض المتوسط بطول 40 كيلومترًا.
في معسكر دير البلح وسط قطاع غزة، لا يفصل بين بيت الصياد يونس والبحر سوى بضعة أمتار جعلت من علاقته بمياهه الزرقاء شيئًا لا يقاوم بالنسبة له، منذ نعومة أظفاره حتى أصبح عمره الآن 33 عامًا.
وفي منطقة مثل قطاع غزة البالغ تعداد سكانه مليوني نسمة وتنحدر فيه فرص العمل إلى أدنى المستويات، لم يعد أمام يونس ملجأ لإعالة أسرته المكونة من 7 أفراد (زوجته وبناته الخمس وابنه الوحيد) سوى بحر غزة.
ومع عدم امتلاكه قاربًا مخصصا لصيد الأسماك، فإن لديه أساليبه الخاصة التي يستخدمها في المناطق الصخرية قرب الشاطئ وتوجد فيها أنواع مختلفة من الكائنات البحرية، ولديه أيضًا المعدات اللازمة لصيدها.
ويتقن يونس كما يقول لصحيفة "فلسطين"، استخدام الشباك بأنواعها وقصبة الصيد (السنارة) والمسدس البحري.
وطيلة الأعوام الماضية، استخدم الوسائل الثلاث لصيد الأسماك حسب الموسم والمعدات اللازمة له، إلا أنه منذ انتشار جائحة "كورونا" في غزة نهاية أغسطس/ آب الماضي، أصبح لا يستخدم منها شيئًا.
يضيف يونس وقد بدا مستاءً: قبل أيام حاولت النزول للبحر وأنا أحمل معدات الصيد، لكن عناصر الشرطة البحرية جاؤوا ومنعوني من ذلك. وتساءل عن الضرر الذي سيسببه حال السماح له بممارسة الصيد قرب الشاطئ.
ولفت إلى أن ذلك ترك تداعيات سلبية على أسرته، ولم يعد قادرا على تلبية احتياجاتها، ولم يقدم له أحد أي مساعدات غذائية أو غيرها.
وفي قطاع غزة، تعد الأسماك باختلاف أنواعها وأحجامها وجبة مهمة ورئيسة للسكان، ويزداد الطلب عليها مع انخفاض أسعارها هذا العام مع تمكن الصيادين من صيد كميات كبيرة ومتنوعة.
جهود لإيجاد حلول
ويتخذ صيادون كثر من البحر ملجأ للرزق وليس أمامهم سواه، وهذا ما يحصل مع الصياد محمد مقداد، الذي ابتاع قبل أسابيع ممتلكات منزلية لشراء مسدس بحري (هاربون) مخصص لصيد الأسماك.
ويملك مقداد، في الثلاثينيات من عمره، وهو من سكان معسكر الشاطئ، قدرة كبيرة على كتم النفس لدقائق والغوص في أعماق البحر لصيد الأسماك، غير أنه أصبح غير قادر هذه الأيام على فعل ذلك بسبب جائحة كورونا.
يقول مقداد لـ"فلسطين": إنه بأمسِّ الحاجة هذه الأيام للنزول للبحر لاستخراج كميات من الأسماك خاصة أن موسم الصيد بطريقة الغوص قد بدأ ويستمر لأشهر.
وقال مسؤول لجان الصيادين في اتحاد لجان العمل الزراعي زكريا بكر، إن الصيادين في غزة ينقسمون إلى قسمين، الأول يستخدم القوارب على بعد أميال من الشاطئ، وآخرون يستخدمون وسائل بسيطة للصيد.
وذكر بكر لـ"فلسطين" أن قوارب الصيد تعمل حاليا بكامل طاقتها، وفاق إنتاجها العام الحالي من الأسماك عن إنتاج السنوات الماضية، وخاصة أسماك السردين التي افتقدها الصيادون سابقًا.
وبين أن الصيادين الذين يعملون قرب المناطق الشاطئية ويتجاوز عددهم ألف صياد، حتى اللحظة صيدهم في أدنى المستويات ولم يتمكنوا من صيد الكميات المناسبة، بسبب توقيت عملهم تزامنًا وجائحة كورونا.
وأشار إلى أن الصيادين وخاصة الفئة العاملة على قوارب كبيرة في عرض البحر، استطاعت تأمين الغذاء السمكي لسكان قطاع غزة هذا العام بعد صيد كميات كبيرة، وأدى ذلك إلى انخفاض أسعارها، الأمر الذي جعلها في متناول الجميع، لافتًا إلى تعطش الأسواق للأسماك في ظل إغلاق محلات اللحوم الحمراء في مناطق متفرقة من القطاع.
ونبَّه إلى أن جائحة كورونا، التي ظهرت في الصين وانتقلت لغالبية دول العالم في وقت قياسي، تركت تداعيات خطرة على فئة من الصيادين ممن ليس باستطاعتهم النزول للبحر، وعادت بهم إلى مربع الفقر من جديد، وأصبح عدد كبير منهم غير قادر على توفير القوت اليومي لعائلاتهم.
وبين أن شريحة الصيادين تأثرت كثيرًا بانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وحصاره لغزة الذي يحول دون دخول المعدات اللازمة للصيد، مبينًا أن إغلاق السلطات المحلية شاطئ غزة أمام فئة من الصيادين، سيجعل هؤلاء غير قادرين على إطعام أبنائهم.
وأشار إلى وجود جهود وحوارات مستمرة مع الجهات المعنية والمسؤولة لإيجاد حلول مناسبة تسمح للصيادين بالدخول للمناطق الشاطئية وممارسة مهنتهم وفق إجراءات الوقاية والسلامة للحيلولة دون تفشي الفيروس.
إغلاق كامل
وكانت الشرطة البحرية أبلغت الصيادين، بإغلاق البحر بشكل كامل في محافظة شمال غزة قبل أيام، حسب ما أعلن نقيب الصيادين نزار عياش.
وبين عياش في تصريح صحفي أن قرار منع العمل في البحر، استمر لمدة 48 ساعة، بسبب تفشي فيروس كورونا.
وبرر مدير إدارة الشرطة البحرية العقيد رامي نوفل، منع ممارسة الصيد في المناطق الساحلية بأن بعض الصيادين يتسببون بحالة ازدحام في مناطق متفرقة، وشاهد ذلك بنفسه خلال جولة له على شاطئ منطقة الشيخ عجلين جنوب غرب مدينة غزة.
ومن هؤلاء الصيادين، حسب ما قال نوفل لـ"فلسطين"، صيادو الجلمبات "السلاطعين" الذين يستخدمون شباك الجرافة والطرح، الأمر الذي قد يسبب حالة من الفوضى خلال بيع الأسماك، واحتمالية أكبر لانتقال الفيروس حال إصابة أحد من بين الموجودين بالفيروس.
ونبَّه إلى صدور قرار عن وزارة الداخلية والأمن الوطني بإغلاق الساحل بالكامل أمام الجميع، متوقعًا أن يتم السماح باستئناف عمل الصيادين قرب الشاطئ الأسبوع المقبل.
وفرضت الجهات الرسمية المسؤولة بغزة سلسلة إجراءات صارمة لمنع تفشي الوباء ومحاصرته في أماكن انتشاره، شملت إغلاق الأسواق والمدارس والجامعات والمساجد، ومنع التجمعات، وهو ما تشيد به منظمة الصحة العالمية التي يعمل مكتبها بغزة بالتعاون مع الوزارات المختلفة لمواجهة الفيروس.