يواجه أزيد من ستمائة مواطن فلسطيني في قطاع غزة من مرضى الفشل الكلوي المزمن، الموت المحقق، مع تراجع مستوى الخدمة الطبية المقدمة نتيجة أزمة الكهرباء التي تعني إصابة أجهزة غسيل الكلى بالشلل القسري.
ومن سرير المرض، بدت ملامح الإعياء جلية على وجه الحاجة ليلى البلعاوي بينما كان جسدها موصولًا بأنابيب جهاز غسيل الكلية لإخراج سموم قد تفتك بها إن استمرت الأزمة، كما تقول.
وتتردد البلعاوي (64 عامًا) على مشفى الشفاء ثلاث مرات أسبوعيًا منذ أن أصيب بفشل كلوي قبل عشر سنوات.
وخلال تلك السنوات تعرض القسم لأزمات مشابهة للأزمة التي يعاني منها نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، وأحيانًا أخرى بفعل نقص الفلاتر اللازمة لعمليات غسيل الكلى.
وتضيف البلعاوي: "أزمة الكهرباء تتسبب في توقف مفاجئ لآلات غسيل الكلى عن العمل، وفي حال لم تعمل المولدات بشكل مباشرة تتضاعف الآلام، نتيجة تجمد الدم في الجهاز، وهذا يعني فساده، واستحالة إرجاعه للجسم مرة ثانية".
وكانت سلطة الطاقة قد أعلنت مطلع الاسبوع الماضي، عن توقف محطة توليد الكهرباء عن العمل نتيجة عدم توفر الوقود.
ويتردد نحو 650 مريضًا بالفشل الكلوي بينهم (23) طفلًا مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا على أقسام غسيل الكلى في مشافي قطاع غزة الحكومية، التي يتوفر فيها 117 جهازًا فقط، طبقًا لمعطيات وزارة الصحة الفلسطينية.
وتعد أجهزة غسيل الكلى بمثابة كلية صناعية بديلة نتيجة العجز الوظيفي لكُلى المريض، وتوقفها عن العمل يعني زيادة نسبة السموم وانحباس الماء في جسم المصاب، مما ينذر بفقدانه للوعي، وتعطل أجهزة حيوية أخرى داخل جسمه.
تجمد الدم
وعلى سرير آخر، داخل قسم غسيل الكلى في المستشفى نفسه، تصف منار شرير عملية غسيل الكلى التي تجريها مرتيْن أسبوعيًا بـ"المرهقة".
وتساءلت والأسى على محياها: "العملية مؤلمة بحد ذاتها مع انتظام الكهرباء، فما بالكم إذا توقف الجهاز أكثر من مرة نتيجة انقطاع التيار؟! هذا يعني أن تبدأ العملية من جديد، حتى يتم التخلص من الدم المتجمد نتيجة توقف الآلة عن العمل".
وتخشى شرير (32 عامًا) من تدهور حالتها المرضية، إذ من غير الممكن أن تواصل أيًا من شؤون حياتها دون إجراء هذه العملية الدورية التي باتت جزءًا منها.
وناشدت الشابة، الجهات المسؤولة تحييد أزمة الكهرباء، والمرضى خاصة عن المناكفات السياسية.
استنزاف
من جانبه، يشير مدير عام الهندسة والصيانة في وزارة الصحة بسام الحمادين إلى أن وزارة الصحة تستهلك ما يزيد على (450 ألف) لتر سولار شهريًا لتشغيل (87) مولدًا في حال كان انقطاع التيار الكهربائي ثماني ساعات فقط.
ويوضح الحمادين أنه في حال تزايدت الأزمة بفعل توقف محطة توليد الكهرباء: "سوف نكون بحاجة لمليون لتر شهريًا، وهو ما يضاعف حجم الأموال التي تحتاجها الصحة لشراء السولار لتشغيل المولدات".
ويعاني قطاع غزة من تلوث خطير في المياه نتيجة التراجع السريع في مخزون المياه الجوفية، وتصل نسبة تلوث هذه المياه إلى 97%، ما أدى إلى تفشي أمراض خطيرة أبرزها الفشل الكلوي.
وتعد أزمة الكهرباء في غزة جزءًا من الاستراتيجية العقابية التي كان رئيس السلطة محمود عباس، قد توعد بها القطاع قبل نحو أسبوعين، والتي بدأها بخصم 30% إلى 45% من رواتب موظفي حكومة الحمد الله في غزة.