كان بإمكانه الحصول على تقرير استثناء من عمله إلى حين انتهاء أزمة كورونا على الأقل بكل سهولة، خاصة أنه اقتراح مديره في العمل، لكونه يعاني ضعفًا في المناعة، لكنه لم يسمح لنفسه أن تفكر بهذا الخيار، قائلًا: "كيف أترك شعبي في هذه الظروف الصعبة، وهو بأمس الحاجة لي ولزملائي؟!"، هذه بعض تفاصيل حكاية الحكيم محمود قعدان في مواجهة فيروس كورونا.
الحكيم قعدان (31 عامًا)، يعمل بمجمع الشفاء الطبي، لم يكن مستبعدًا إصابته بهذا الفيروس، فالجميع عرضة له، مع أنه لم يتهاون في الأخذ بإجراءات السلامة والوقاية، في أثناء تأدية عمله بالمستشفى، وعند عودته إلى البيت.
ولم يبالِ بإصابته بالفيروس، بل ينتظر انتهاء مدة الحجر الصحي ليعود إلى عمله بمناعة أقوى وجهد أكبر.
يقول لصحيفة "فلسطين": "اعتدنا أن نكون بجانب أبناء شعبنا في مختلف أزماته، فخضنا معه أيامًا صعابًا خلال عدوان الاحتلال على القطاع في 2012م، و2014م، وكنت حينها أعمل في مجال الإسعاف والطوارئ، ولذلك كانت نفسيتي مهيأة للإصابة، كما أيام العدوان نخرج من بيوتنا مودعين فلا نعلم هل سنعود إليها سالمين أم محمولين على الأكتاف".
سيطرت مشاعر القلق والتوتر على أفراد عائلته، لكنه هيأهم مسبقًا لاحتمالية الإصابة، فالجميع يعلم أن الطواقم الطبية خط الدفاع الأول في المعركة ضد فيروس كورونا الذي اجتاح العالم، فتقبلوا الأمر، رغم صعوبة البعد عنهم لقضاء مدة الحجر الصحي.
ويضيف قعدان: "بعد مرور أيام بدأت أشعر بالاشتياق لعائلتي، خصوصًا أطفالي الثلاثة الذين لا يتجاوز عمر أكبرهم خمسة أعوام، فيحدثني بمكالمة فيديو بلهفة، وأصغرهم ذو التسعة أشهر يعبر عن ذلك ببكائه عندما يرى صورتي عبر شاشة الهاتف، فيا للأسف لا يستوعب عقلهم الصغير أن الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة هو سبب البعد عنهم!".
أما هو فيجلس بداخل غرفة الحجر جسدًا، ولكن قلبه وعقله عند عائلته وأهله، كيف يدبرون شئون حياتهم ويحضرون مستلزماتهم واحتياجاتهم اليومية مدة غيابه، يقول: "فبالي مشغول عليهم، ولا يظهرون لي شيئًا عندما أحدثهم، بل على العكس يكون همهم الاطمئنان على صحتي وراحتي في المكان، أو هل ظهرت عليّ أي أعراض".
وحتى الآن لا يعلم قعدان كيف وصل إليه الفيروس واقتحم جسده، رغم أنه على دراية بتحركاته وتطبيقه لإجراءات الوقاية، فبعد عودته من العمل تنتظره على باب البيت عبوتان من المطهر الكحولي والخل البخاخ، والحمام مجهز ليستحم ليتخلص من أي فيروس عالق، كما أنه يعقم مقتنياته الشخصية من مفاتيح وبطاقة هوية ونقود، ويعرض ملابسه لأشعة الشمس.
ويتابع قعدان: "في تلك المدة أكثر ما كان يؤلمني هو انتظار أبنائي عودتي ليتسابقوا فيما بينهم من سيحصل أولًا على حضن وقبلة، ولكن أمهم تحجبهم وتوقفهم حتى الانتهاء من التعقيم للحفاظ على سلامتهم، خاصة أن أحدهم من حاملي الأمراض المزمنة ويصنف من الفئات الخطرة".
ظهرت عليه بعض الأعراض الخفيفة التي هي أقرب لأعراض مرض الأنفلونزا، وبرزت بعد نومه تحت المكيف، فحرصه على زملائه، ومرضاه الذين يتعامل معهم يوميًّا كان دافعًا لعدم الانتظار، وإجراء فحص طبي لفيروس كورونا، وكانت نتيجة المسحة "إيجابية".
بعد قضائه أيامًا في الحجر الصحي لا تزال المجالات أمامه ضيقة لاستثمار وقته، خاصة مع خوف عائلته عليه، فلا ينقطع صوت الاتصال معها.
ووجه قعدان نصيحته للناس بالابتعاد عن حالة الهلع التي ينشرها بعضٌ، وفي الوقت ذاته عدم الاستهتار والتهاون، مضيفًا: "فخذ بالاحتياطات اللازمة وتوكل على الله، فنحن نتحمل مرارة الوجع، وأخرى أقسى تتعلق بنظرة بعضٍ غير الإيجابية إلى المصاب وعائلته، فالإصابة ابتلاء من الله، والمصاب لا ذنب له، فهمي كان خدمة أبناء شعبي".