فلسطين أون لاين

كورونا يحد من "مظاهر اجتماعية مرهقة" في الأفراح

...
غزة -هدى الدلو

استثمر الشاب معاوية الجبور (27 عامًا) أزمة انتشار فيروس كورونا لإتمام مراسم زفافه، فلم يفكر برهة في قرار التأجيل، مع أنه كان متمًّا لأغلب التفاصيل ووزعت بطاقات الفرح، حتى إنه يوم اكتشاف المصابين بفيروس كورونا في مخيم المغازي كان ذاهبًا إلى شراء بدلة يوم الفرح، وفي إثر ذلك أجله يومين.

يرى الجبور أن كورونا وضع حدًّا لمظاهر وعادات اجتماعية لا أهمية لها خاصة فيما يتعلق بأمور الأفراح التي ترهق جيوب الشباب وكاهل ذويهم، فهناك كثير من الأمور التي يمكن الاستغناء عنها، وتعمل إجبارًا خوفًا من كلام الناس.

ويوضح أن أزمة كورونا كان لها بعد إيجابي على صعيد الشباب الذين أتموا زواجهم خلال هذه المدة، إذ تخلصوا من كثير من المظاهر التي اعتادها المجتمع من الحفلات الخاصة بالشباب والسيدات، وقد تبين أن المجتمع يستطيع التقليل من هذه المظاهر التي لا فائدة منها.

والشاب يوسف النجار (28 عامًا) لم يلتفت هو وعروسه بعد أن أقنعها إلى تلك المظاهر والعادات المجتمعية، التي كانا سيفعلانها حتى لا يكونا تحت "سيوف ألسنة" بعضٍ، فلم يغير موعد فرحه المحدد مسبقًا بتاريخ العاشر من أيلول (سبتمبر)، بل أتم مراسمه على أضيق نطاق.

ولكونه يعمل موظفًا في وزارة الصحة إنه يدرك حجم الأزمة التي يمر بها القطاع، ولا يعرف متى تنتهى الجائحة وتفتح البلاد، إلى جانب أنه قد مرت مدة طويلة على خطوبته، فالأمر لا يحتمل التأجيل، وبذلك يكونان قد تجاوزا عقبات مالية كانت ستقف أمامهما في أول سنة من الزواج.

وقد دون الإعلامي أيمن دلول على صفحته الخاصة في (فيس بوك) أنه رغم هذه الظروف المعقدة، وبالغة الصعوبة في غزة، وتحت حظر التجوال، سجل في يومٍ واحد فقط أكثر من 100 عقد زواج جديد، متسائلًا: "ما الذي دفع هؤلاء للمخاطرة والحركة في هذه الأوقات والإصرار على تسجيل هذه العقود؟، ولماذا لم ينتظروا حتى ذهاب الوباء؟".

ويقول دلول: "أخبرني أحدهم أنه لجأ إلى ذلك لعدم مقدرته على تنفيذ متطلبات الزواج العصرية التي أصبح يقلدُ بها بعضنا بعضًا، وسألته عن التفاصيل فقال: (أصبحنا نخشى عدم تطبيق ما يفعله الناس في حفلات الزفاف بما تحمله من مصاريف لا طائل لي بها، وإن لم أقم بها فستكون وصمةً لي في عيون الناس، اتفقنا نحن وأهل العروس على ذلك فوافقوا وقررنا العقد خلال هذه الظروف، وسيكون العرس خلال أيام، نحرص أن تكون خلال مدة الحجر، كي يكون الزفاف على "قد الحال" بإذن الله)".

ويضيف: "كثير من العادات والتقاليد المجتمعية أصبحنا نُحمِّلها أنفسنا أكثر مما لا تطيق، وأصبحت هذه العادات بمرور الزمن حواجز نفسية نضعها أمامنا وكأنها من الكبائر، إن تجاوزها الواحدُ منا".

ويتساءل دلول: "ماذا لو رجعنا بأعراسنا إلى عهد حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، فتكون السعادة والسكينة حليفتنا، وبدلًا من البقاء أول سنوات الزواج الجميلة نعيش حياة التعاسة والشقاء ونحن نفكر في سداد ديونٍ جعلناها أحمالًا على كواهلنا المرهقة أصلًا، فنعيشها بدلًا من ذلك ما بين أيدينا فتدوم المودة والرحمةُ بيننا؟".

بدوره يبين الاختصاصي الاجتماعي د. إياد الشوربجي أن أزمة كورونا أثرت في كل مجريات حياة الناس، وفي العديد من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، حتى ما يتعلق بمراسم الزفاف، إذ ظهر ما يسمى حفلات الزفاف المختصرة، التي تقتصر على عدد محدود من أقارب العروسين، وتكون في بيت العريس بعيدًا عن صالات الأفراح.

ويلفت في حديث مع صحيفة "فلسطين" إلى أن كثيرين من أهل العروسين يقتنعون بالزواج العائلي لكونه أكثر أمنًا ويقلّص من المصروفات مقارنة بحفلات الأعراس بشكلها الاعتيادي ذات التكاليف الباهظة، بسبب العادات المجتمعية الخاصة بالأفراح كالولائم، وسيارات الفرح والصالة والتصوير، وغيرها من الأعباء المالية التي كثيرًا ما كان يشكو منها المقبلون على الزواج.

ويوضح الشوربجي أنه لذلك أصبح اتجاه كثير من الشباب إتمام عملية الزفاف بأقل الإمكانات، فما يتوفر من ميزانية إقامة الحفل سيعود إلى الزوجين، مبلغًا ماليًّا، أو تخفيفًا للديون والأعباء.

ويبين أنه ربما يقتنع بعضٌ بهذا الاختصار في التكاليف والعادات في مراسم الزواج وضعًا استثنائيًّا، ولكنه لن يلغي العادات المجتمعية التي اعتادها الناس وأصبحت جزءًا من التراث الشعبي الفلسطيني.

في السياق يوضح الشوربجي أن هناك توجهًا لدى بعض الناس نحو تخفيف الإنفاق ليصبح مقبولًا، وكسر حاجز العادات التي اعتادها الناس، وكانت تزيد من تكاليف الزواج، وأنه يمكن إتمام الفرحة دون المزيد من النفقات والتكاليف.

ويضيف: "إن بعضًا يرى المبالغة بالاختصار في مراسم الزواج بحجة كورونا قد تحرم العروسين الفرحة، ولكن الأصل في الزواج المودة والرحمة، ومراعاة الظروف بما يوفر حياة مستقرة، والفرحة ﻻ ترتبط بالتكاليف العالية".

ويرى الشوربجي أنه لا بد من تغيير الثقافة السلبية عند بعضٍ أن الفرحة ﻻ تتم إلا بالتكاليف الباهظة والبذخ، والأصل أن تتغير ثقافة المجتمع نحو هذه الفكرة.

من ناحيته يقول المختص في التراث الفلسطيني طاهر باكير: "إذا تحدثنا عن الأفراح بمعزل عن مجمل ثقافة الحياة والعادات والتقاليد التي تتلاعب بها شبح كورونا، فإن التغير الحاصل لا يمثل سوى نسبة ضعيفة في المجتمع، تهدف للحد من العادات الأقرب إلى القشور، فهناك غياب كبير لهذه العادات".

وينبه إلى أبسط الأمور التي تغيب عن الأفراح في زمن كورونا مشهد الجاهة الذين يكونون عند العريس ويذهبون معه لإحضار العروس، فاقتصر الأمر على المقربين من الطرفين، فلم تعد لها هيبتها ورونقها، فتباعد الناس وتراجع العلاقات الاجتماعية قللا من قيمتها.

ويضيف باكير: "يبقى السؤال المهم: هل تلاعبت كورونا "بالجينات الوراثية" من أجل ترسيخ العادات السيئة وتغييب العادات الجميلة في المجتمع؟، فبدلًا من أن يكون العرس في قاعة داخلية انتقل إلى قاعات وشاليهات خارج المدينة، هذا الأمر ترتب عليه الكثير من السلبيات من حيث التكلفة والمخالطة، وما لها من أثر صحي، العادات الأصلية لا تقتصر على هذه المظاهر الخداعة المستوردة".

ويعتقد أن هذا التغير هو آني في المجتمع، وناتج عن حالة التأزم.